بعد تراجع عدد الاصابات… هل الحياة بعد كورونا ستكون كما قبلها؟
بقلم: د. علا القنطار
النشرة الدولية –
بعد تراجع عدد الإصابات بفيروس كورونا واستعادة الأمل بالعودة إلى الحياة الطبيعية من جديد، بات السؤال المطروح اليوم “هل تتحقق هذه العودة بالسهولة التي تبدو عليها، وهل الحياة الاجتماعية بعد كورونا ستكون كما قبلها؟ وماذا عن صحتنا النفسية وصحة أطفالنا؟ وما هي نتائج كوفيد- 19 على حياتنا اليومية؟
كل هذه الأسئلة تشغل أيامنا وتجعلنا نفتش عن بدايات جديدة، ونمط حياة جديد وربما انقلاب في العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية.
وفي هذا الإطار كان لنا حوار مع الأخصائية النفسية د. سعدى بركات حيث أجابت تفصيلياً عن جميع هذه التساؤلات واستهلت حديثها مشيرة الى ان “الحياة بعد كوفيد – 19 ليست كما قبلها،فهناك كثير من القلق سوف نراه في الفترة القادمة، لا سيما مع أنماط السلوكيات الصارمة والحذرة، أي لجهة التقيد باجراءات السلامة والوقاية والتباعد الاجتماعي، رغم أن العديد من الاشخاص استطاعوا التكيّف مع هذه الاجراءات التي كان لها اثر عميق على حياتنا الاجتماعية وشخصيتنا، وكيفية تفاعلنا جسديًّا وعاطفيّا مع الآخرين، ونركز هنا على التواصل الجسدي مع الاخرين حيث غياب العاطفة واللمس والسلام”.
وتشير بركات الى اننا كجنس بشري نعبّر عن عواطفنا بالسلام والقبلات والعناق، وغياب هذا التفاعل الجسدي له اثر عميق على حياتنا، لذلك فإنّ العودة الى الحياة الاجتماعية بعد كورونا ليس بالسهولة التي تبدو عليها، ومن المتوقع ان اثر كوفيد- 19 سيظل هاجسا يؤرق الكثير من الافراد رجالا ونساء، واتحدث هنا عن الجنسين لان هذا الاثر يختلف حسب النمط الشخصي للفرد، إذ ان ثمة افراد يعانون اساسا من الوسواس القهري وآخرون يُعتَبرون اشخاصا انطوائيين، أو لديهم في الأصل ميول للاكتئاب واستعداد للاضطرابات النفسية، وذلك يؤثر بشكل مباشر على طريقة تعاملهم مع الازمات او حتى كيفية مزاولتهم لعملهم.
وتتابع بركات:”عند النساء وعلى سبيل المثال المعلمات التي مارسنَ عملهنَّ من المنزل، وهذا ما منحهن الشعور بالامان والطمانينة بالبقاء الى جانب اطفالهنّ، وتطبيق الاجراءات الوقائية حيث يراقبن اولادهن ويواكبن عملية تعلمهم عن بعد،
بينما انا شخصيا كمعالجة نفسية كنت ابتعد عن عائلتي، لكي اتابع عملي وأمارس مهنتي على الارض وبين الناس ولم أتاثر بأزمة كوفيد -19، حيث بقيت حياتي تسير بشكل طبيعي، لذلك فإن عودتي الى الحياة الاجتماعية ستكون الى حد ما طبيعية بغض النظر عن الاستمرار باحترام التباعد الجسدي والاجراءات الوقائية، وعليه فإن العودة الطبيعية الى الحياة الاجتماعية ستتطلب وقتا كبيرا، اذ ان جائحة كورونا تُعتبر أزمةً وجوديّة تهدّد وجود الفرد وكيانه، لانها تمسّ بشكل مباشر سمة التقارب الاجتماعي، حيث بات كل فرد مجبراً على الحفاظ على مسافات امنة بينه وبين الاخرين، وبذلك سيكون القلق والخوف حاضرين للغاية وستزداد الاضطرابات النفسية واحتمال ازدياد الوسواس القهري والإحباط والاكتئاب والانطوائية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المريرة، حيث خسر البعض اعمالهم ومورد عيشهم.
من جهة أخرى يؤثر فيروس كورونا على الحياة العائلية بشكل مباشر، إذ يعتبر الاهل ان عودة اولادهم الى المدارس او الى العمل، ستشكل خطرا على العائلة بأسرها إن لجهة الاصابة بالفيروس او نقل العدوى الى الجميع.
اما بالنسبة للاطفال فهم ايضا اعتادوا على البقاء في المنزل وقضاء معظم أوقاتهم امام الشاشات والالعاب الالكترونية والهاتف المحمول، حتى لو كان ذلك بهدف التعلم وهذا ما ادى الى ظهور عوامل الاكتئاب لدى العديد من الاطفال، ومنها العصبية الزائدة وسوء المزاج والقلق واضطرابات الطعام والسمنة المفرطة، فضلا عن صعوبة التركيز وازدياد فرط الحركة ADHD ، عدا عن آثار العنف في ظل الحجر المنزلي، وهذا ما سيتم الحديث عنه بالتفصيل في وقت لاحق، لأن هذا الموضوع يشكل خطرا كبيرا على أطفالنا الذين هم جيل المستقبل وأمل الأوطان ”.