جلسة مناقشة بعنوان: قانون الانتخاب اللبناني بين الطائفية والمساواة

النشرة الدولية –

الثأئر  نيوز –

رغم كافة المآسي الحياتية والسياسية التي يعيشها اللبنانيون ما زالت العين على الانتخابات النيابية المقبلة، لعلها تُحدث تغييراً يصب في مصلحة الشعب والوطن. وبالرغم من التحول الذي جرى في قانون الانتخاب، من النظام الأكثري إلى النسبي، ما زال قسم كبير من اللبنانيين غير راضٍ ويطالب بتعديل هذا القانون، الذي جاء ليكرّس المذهبية في النصوص والنفوس بدل أن يعمل على إزالتها.

عقدت لجنة من كبار أساتذة الجامعة اللبنانية اجتماعاً الخميس في ٢٧ايار ٢٠٢١ ضمّ ؛ أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام نعمة إسماعيل رئيسا، وعضوية كل من: مدير الفرع الرابع في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية الباحث والأكاديمي الأستاذ الدكتور رودريك ابي خليل، وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية الأستاذ الدكتور كميل حبيب، وهو الرجل العصامي المعروف بمواقفه الوطنية، ومشاركاته القيمة في النقاشات الدائرة حول إصلاح وتطوير قانون الانتخاب اللبناني منذ أكثر من عشرين عاماً. وناقشت اللجنة رسالة مقدمة من الزميل اكرم كمال سريوي بعنوان: قانون الاننتخاب اللبناني بين الطائفية والمساواة .

د. عصام اسماعيل

افتتح جلسة النقاش رئيس اللجنة الدكتور اسماعيل فقال: “الطائفية والمساواة” !!! لقد جمع هذا الموضوع بين نقيضين لا يجتمعان ولا بد لأحدهما من الغلبة على الآخر، وقد أثبت الاستعراض التاريخي في الرسالة المقدمة لتكوين المجالس النيابية في لبنان، أن الغلبة كانت دائماً للعنصر الطائفي وهيمنة المال، والفساد، والتلاعب بالنتائج، والسيطرة على الإرادة الشعبية.

ففي ظل هذه العوامل، أي أمل يبقى بتحقيق المساواة؟ ثم أي مساواة يمكن أن تتحقق في ظل منح هذه السلطة إمكانية صياغة النظام الانتخابي، ولا احد يُنكر تلاعبها بتقسيم الدوائر وعدّ الاصوات التي تختلف قيمتها بين دائرة وأخرى؟

إن هذه الحقائق دفعت مقدم الرسالة إلى البحث عن عدالة نظام الاقتراع، للوصول إلى التمثيل الصحيح لفئات الشعب في الندوة البرلمانية، وهذا دفعني للقول أن قانون الانتخاب ليس فقط في المرتبة الثانية بعد الدستور كما ورد في الرسالة، بل أراه يسمو مجازياً على الدستور لكونه يُنتج السلطة المؤتمنة على الدستور والبلاد .

د. ابي خليل

إنه اختيار موفق للموضوع لما يمثله من أهمية في فتح آفاق على مستوى اصلاح النظام الانتخابي. وتتقاطع في هذا البحث علوم عديدة ؛ سياسية واجتماعية وقانونية، ولقد شرح الباحث الواقع اللبناني متكئاً بإسهاب على تاريخ الجماعات الدينية التي يتكون منها لبنان، واتّسم العمل بالجدية وباحترام الشروط المنهجية والقواعد العلمية، وإن التفريع في العناوين يدل على أن الباحث احاط جيداً بالموضوع، وتعمّق في دراسته وتقصّيه عن النواحي والأبعاد المتعددة التي يكتنزها الموضوع.

إن أرسطو وضع معياراً أساسياً للنظام الأفضل الذي لا يتميز بآلياته، إنما بمداها في تحقيق الصالح العام، الذي يُشكّل المعيار الأساسي لنجاح أو فشل النظام السياسي، فالديمقراطية كما المساواة تبقى مفهوماً نسبياً. إن ما ذكره الباحث عن هرم ماسلو يلخص الحالة اللبنانية، ونحن ما زلنا في المرحلة الثانية منه، فكيف والحال كذلك لقانون انتخاب خارج القيد الطائفي أن يزيل الخوف لدى الجماعات والطوائف، إذا كانت كافة توجهات النُخب في كل المحطات الاساسية والثانوية يغلب عليها الطابع الفوري والطائفي؟ .

د . حبيب

لا نريد أن نكون متشائمين في شأن قيام دولة وسلطة صالحة تُمثّل الشعب بشكل سليم، تنبثق عن نظام انتخابي جيد في لبنان. نريد نظام انتخاب يشبه هذا المجتمع، وأنا اقترحت سابقاً الدائرة الوسطى كمرحلة انتقالية.

نفهم أن لدى كل فئة يوجد هواجس، والمشكلة أننا نستعملها ضد بَعضُنَا البعض، بدل التوافق. الشعب هو مجموع المواطنين وليس مجموع قطعان، والديمقراطية التوافقية هي جيدة إذا كان الاتفاق هو على المصلحة الوطنية العليا ، لكن المشكلة أننا لسنا متفقين على هذه المصلحة الوطنية بل تطغى المصالح الخاصة على ذلك.

وأنا أُثني على رغبة الباحث وسعيه لإيجاد حلول لهذه المسألة المعقدة، وأتساءل عن امكانية عسكرة المجتمع بمعنى أن تطغى الروح الوطنية السائدة في المؤسسة العسكرية على كافة عناصر المجتمع، واعتقد أننا نحتاج إلى تطوير نظام الأحزاب فنحن نحتاج أحزاب وطنية علمانية بالدرجة الأولى.

سريوي

قدم الزميل سريوي شرحاً مقتضباً عن الرسالة فقال: إن أهمية الموضوع تكمن في تطوير مجتمعنا السياسي وبناء دولة ديمقراطية تستجيب لتطلعات اللبنانيين، وكما قال العميد دوجيه «إن اصلاح النظام الانتخابي هو اصلاح الاصلاحات ». وفي لبنان تواجه هذه الخطوة صعوبات تتمثل في اشكالية التوفيق بين نظام الامتيازات والحصص الطائفية والتوزيع المذهبي للمقاعد النيابية، وتطبيق قاعدتي العدالة والمساواة.

إن هدف هذه الدراسة هو الإضاءة على طبيعة تعقيدات النظام السياسي الطائفي في لبنان، وكشف تطور النظام الانتخابي، مع نقد لكافة العمليات الانتخابية التي جرت منذ عهد القائمقاميتين حتى اليوم. والأهم من ذلك هو أنها تُقدّم شرحاً كاملاً لمثالب قانون الانتخاب الأخير لعام ٢٠١٧، وتُبيّن الثغرات التي تشوبه، خاصة لجهة الإخلال بالمساواة بين المرشحين وكذلك بين الناخبين، وخرق مبدأي العدالة والتمثيل الصحيح.

تشرح هذه الدراسة بشكل مفصّل المنطلقات والمفاهيم الأساسية لصياغة قانون انتخابي يؤمن وصول النخبة الى البرلمان، وتطرح الخيارات الممكنة والنقاط التي يتفق عليها اللبنانيون، وتلك التي ما زالت موضع خلاف فيما بينهم، وتطرح هذه الدراسة خلاصة بضرورة التركيز أولاً على ما اتُفق عليه في الطائف، لجهة تشكيل لجنة الغاء الطائفية السياسية، وتطوير قانون الأحزاب لتكون مؤسسات ديمقراطية علمانية خارج العصبيات المذهبية، وأكد أنه لا قيمة لأي نقاش في نوع النظام الانتخابي الأكثري أو النسبي، وحجم الدوائر، إذا لم نخرج من القيود الطائفية، ونعتمد قانوناً عصرياً على أساس العلمانية، مع إنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف لتبديد هواجسها وخوفها من طغيان فئة على الفئات الأخرى والاستبداد بالحكم .

وفي الختام شكر سريوي الأساتذة أعضاء اللجنة على جهودهم ومشاركتهم في إغناء هذه الدراسة بمداخلاتهم وملاحظاتهم القيّمة وأمل أن تسهم هذه الدراسة في الوصول إلى نظام انتخابي يلبي تطلعات اللبنانيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى