متقاعدون عسكريون يدخلون على خط الأزمة السياسية في تونس
النشرة الدولية –
عجز السياسيون التونسيون عن حل خلافاتهم فدخل المتقاعدون في المؤسسة العسكرية على خط الأزمة السياسية وسط مخاوف من أن تتسع الدائرة لتطال المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين يفترض أن تكونا محايدتيْن.
وبعد ساعات من بيان حاد اللهجة من الأميرال المتقاعد كمال العكروت، يطالب بإنقاذ البلاد من خطر “تفكك مؤسسات الدولة” ومن “ديمقراطية شكلية وطبقة سياسية همها الاِستحواذ على السلطة بلا إنجاز”، ظهر بيان ثان يحمل توقيع أسماء معروفة لعسكريين متقاعدين تحت عنوان “الأمل الأخير لإنقاذ البلاد”، ويحمّل الرئيس قيس سعيد الجانب الأكبر من الأزمة ويعيد ما وجهته إليه حركة النهضة الإسلامية مِن اتهامات بالإقصاء والاستئصال.
ويعيد هذان البيانان إلى الأذهان بيانات لقيادات عسكرية متقاعدة في فرنسا والولايات المتحدة وتركيا أظهرت في الأشهر الأخيرة اهتماما لافتا بالمسائل السياسية، معبرة عن عدم رضاها عن طريقة إدارة أزمات داخلية وخارجية.
وعزت أوساط سياسية تونسية سبب خروج قيادات عسكرية متقاعدة عن واجب التحفظ والحياد الذي تربت عليه إلى فشل المسؤولين السياسيين في التوصل إلى صيغة لإدارة الحوار بينهم.
وقالت هذه الأوساط إن عدم قدرة الأحزاب، كقوى فاعلة في المشهد السياسي، على أداء دورها وتقديم المقترحات والمبادرات لتجاوز الأزمة يدفعها إلى الاستنجاد بالمتقاعدين ممن لديهم مكانة اعتبارية عند الناس والسحب من رصيدهم.
وفيما يدعو الطرف الذي ينحاز للرئيس سعيد إلى التشدد والحسم في مواجهة فوضى المشهد السياسي (بيان العكروت والرسالة المسربة مجهولة المصدر التي تحث على تفعيل الفصل 80)، تحثّ النهضة ومن يدعمون توجهها على الجلوس إلى مائدة التفاوض والعثور على مخرج يمنع حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو ما يخدم مصلحة النهضة.
وجاء في بيان أصدره عسكريون متقاعدون وكان موجها إلى رئيس الجمهورية “أكيد أنّكم لسْتُم المسؤول الوحيد عن المأزق السياسي الحالي وعن الوضع السائد بالبلاد، لكنّكم الطّرَفُ الأبرز باعتبار مقامكم ودوركم الدستوري وخاصّة مواقفكم الرافضة، إلى حدّ الآن، لجلّ المقترحات المطروحة عليكم”.
وضمت القائمة أسماء كلا من محمد المؤدب (أمير لواء متقاعد)، وبوبكّر بنكريّم كاهية (رئيس أركان جيش البر سابقا) ومختار بن نصر (عميد متقاعد ورئيس سابق للجنة الوطنية لمكافحة الارهاب)، وعلي السلامي (عقيد متقاعد)، والبشير مجدوب (رئيس جمعيّة قدماء معهد الدّفاع الوطني).
وحذر مراقبون ونشطاء سياسيون من جلب العسكريين المتقاعدين إلى مربع اللعبة السياسية لما في ذلك من خطر جر المؤسسة العسكرية ككل إلى الصراع السياسي، وهي التي ظلت على حيادها بالرغم من محاولات كثيرة لجعلها طرفا في الأزمة، لافتين إلى أن ما تتعرض له المؤسسة العسكرية تتعرض له المؤسسة الأمنية التي عانت منذ 2011 إلى الآن من مساعي الاختراق والتوظيف.
وقال عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري في تدوينة على حسابه بفيسبوك في تعليقه على البيان “بدأنا نقترب من المحظور واللعب بالنار”.
وأضاف أن الانقسامات بين العسكريين المتقاعدين “لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لاستسهال الحديث عن الانقلابات والدعوة إلى إقحام المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات ولتنازع الصلاحيات حول المؤسسة الأمنية والتأويل الخاطئ للفصل 80 من الدستور”.
ودعا الشابي العسكريين المتقاعدين الذين “يعتزمون دخول غمار السياسة إلى التخلي عن صفاتهم ورتبهم والمشاركة في الحياة السياسية كمواطنين لا كفيالق عسكرية، حتى وإن كانوا متقاعدين”.
وانتقد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي المبادرة التي توجه بها البعض من القيادات العسكرية المتقاعدة إلى رئيس الجمهورية.
واعتبر الشواشي في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي بموقع فيسبوك أن “‘دخول بعض القيادات العسكرية المتقاعدة الشأن السياسي واستعمال رتبها للتوجيه والتأثير والضغط على مؤسسات الدولة ظاهرة خطيرة”، مضيفا “خاصة إذا علمنا أن هناك جهات سياسية متخفية تدفعها إلى هذا الصنيع لغايات لا علاقة لها بمصلحة البلاد واستقرارها”.