هل يتراجع التسول التقليدي أمام الانتعاش الإلكتروني؟
بقلم: د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
مع انقطاع التواصل المباشر بفعل الإغلاقات بسبب فيروس كورونا، باتت شبكة الإنترنت وجهة مفضلة للاستجداء، وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة كبيرة ونشطة لجمع التبرعات الكاذبة تحت لافتة «التسول الإلكتروني». غاب المتسولون عن الشوارع، وابتعدوا عن أعين السلطات التي تلاحقهم، واختبأوا خلف شاشات هواتفهم، ليمارسوا مهنتهم بكل ذكاء وحرفية، متسلحين تارة بتقارير طبية مزورة استجداءً للعواطف، وتارة أخرى بفواتير ومطالبات مالية متراكمة، أو رسوم جامعية لم تدفع، في ظاهرة شوهت عديداً من أوجه العمل الخيري، وأضاعت كثيراً على المحتاجين الحقيقيين.
حذر عدد كبير من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي من التسول بأشكاله المختلفة، مبدين تخوفهم من أن يتحول الى ظاهرة اجتماعية بما فيها من إهدار لكرامة الإنسان وقد تكون الخطوة الاولى للانحراف وارتكاب الجرائم وانتشار البطالة من خلال الحصول على المال دون جهد او عمل. وتطورت اساليب التسول حيث بدأ أصحابها يبتكرون طرقاً جديدة منها « وسائل التواصل الاجتماعي « وبحسابات وهمية وأرقام هواتف غير حقيقية، للوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين والحصول على المال منهم بطرق غير مشروعة.
هنالك حاجة الى تشريعات وقوانين رادعه تراعي التطور التكنولوجي الهائل لردع المحتالين من خلال التسول الالكتروني، مشيرا الى ان الكرة في ملعب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للحد من هذه الظاهرة الخطيرة ومكافحتها من خلال التبرع وايصال المساعدات الى مستحقيها من خلال الجمعيات المتخصصة والمرخصة تحول دون وقعهم ضحية للنصب والاحتيال.
بدأت وزارة التنمية الاجتماعية بإعداد مشروع قانون لمكافحة جمع التبرعات بطرق احتيالية في عام 2019، ومنها «التسول الإلكتروني»، وذلك بالتعاون مع الشركاء بينهم وزارة الداخلية والمالية والاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية والاقتصاد الرقمي والريادة والبنك. لحماية المواطنين من هذه الظاهرة. المشروع يأتي في ظل «خلو قانون العقوبات الاردني من التطرق لوسائل الاتصال الجديدة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من القنوات الإعلامية، التي يتوجه بعضها إلى جمع التبرعات والتسول بطرق جديدة».
التسول جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وقد تصل العقوبة في حدها الأقصى إلى الحبس سنة. لكن، الظاهرة الجديدة نسبياً، دفعت الحكومة الأردنية إلى وضع مشروع قانون لمكافحة التسول الإلكتروني، لملاحقة الجهات المعنية جامعي التبرعات غير المرخصة وفق النظام والقانون عبر وسائل التواصل باعتبارها احتيالاً وجزءا من التسول الإلكتروني. لا يوجد نص قانوني في قانون العقوبات ولا في الدستور الأردني يجرم هذه العملية، ولهذا جرى تشكيل لجان عدة للعمل على قانون يجرم هذا السلوك». فخلو قانون العقوبات من التطرق لوسائل التواصل دعا الى تشكيل هذه اللجان. وكانت الحكومة قد أدرجت التسول ضمن الجرائم المنصوص عليها في قانون الاتجار بالبشر، بهدف حماية الأطفال من استغلالهم في التسول أو العمل بالسخرة، وهو ما ارتفع بشكل لافت في الآونة الأخيرة إثر انتشار فيروس كورونا.
إن مثل هذه الافعال «تشكل جرم النصب والاحتيال»، ونلفت إلى أن جريمة التسول على الانترنت تحتاج إلى قانون خاص بها، لكن الوزارة ولمنع هذه الظاهرة، تلاحق من يمتهن التسول على مواقع التواصل، وتحيله إلى القضاء لمخالفته نظام جمع التبرعات المنبثق عن قوانين الوزارة.
ينتظر قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009 تعديلات عليه بعد انتقاله للمرحلة الدستورية الثَّانية وهي مجلس الأمة، باعتبار التَّسول جريمة اتجار بالبشر، والتي لا تقل عقوبتها الجديدة عن سبع سنوات في الأشغال المؤقتة، وغرامة تصل الى 20 ألف دينار. وتشير مسودة مشروع القانون المعدل لقانون الاتجار بالبشر لسنة 2019 إلى تعديل الفقرة «ب « من المادة 3 من القانون الأصلي ليصبح نصها على النحو التالي: «تعني كلمة الاستغلال، استغلال الأشخاص في العمل بالسُّخرة أو قسرًا أو الاسترقاق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء أو في الدَّعارة أو في التَّسول، أو أيِّ شكل من أشكال الاستغلال الجنسي»، ونصت المادة التاسعة منه على ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالبشر والتي من بينها التَّسول.
إنَّ المعالجة التشريعيّة للتسّول في المنظومة القانونيّة الوطنيّة الأردنيّة تنحصر بتجريم التّسول بموجب القواعد الجزائيّة العامّة؛ حيث يُعتبر التسوّل جريمة يُعاقب عليها بمقتضى المادة 389 من قانون العقوبات.