واشنطن.. اللغز الغريب فهي العدو الأول والصديق الأول
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
غريب هذا العصر فهو يجمع الاضاد من أقصى اليمين لأقصى اليسار ، فهو يجمع بين الإنحلال بأقذر ما فيه والتطرف باجرامه والديكتاتورية بأبشع صورها، والحرية المنفتحة دون قيود، ويجمع العلم القادر على تحقيق الرفاهية للشعوب وإبداتهم، ويجمع الجهل الذي أعاد شعوب لمرحلة ما قبل التاريخ وجعل آخرين يتسيدون العالم والأهم أنه عصر القوة والضعف والعبودية والخنوع والبحث عن الحرية، غريبة هذه المعادلات كونها لا تساهم في صناعة عالم آمن قائم على العدل والحق والمساواة.
وفي هذا العصر الغريب العجيب فإن الولايات المتحدة هي حامل مشعل الحرية والديموقراطية والإبادة الجماعية، وهي الصديق الأول للعالم العربي وفي ذات الوقت هي العدو الأول للأمة العربية، والأغرب أنها هي من تقدم الدعم لعدد من دول العالم وفي ذات الوقت تقوم بسرقتهم ونهبهم، وهي من تنشر منصات الحرية في بلاد العالم وتمنعها في بلادها، وهي من تحاكم المجرمين في بلادها وتنصبهم حكام يعبرون على دباباتها لعدد من دول العرب، وهي التي تساعد العرب في قتل العرب ووقت التفكير .. مجرد التفكير.. بمعاقبة الصهاينة تتغير فتقدم السند والداعم بالمال والسلاح للكيان الصهيوني وتحجبه عن الجيوش العربية، وهي من أفشلت الربيع العربي وهي من تنهب نفطنا وتستبيح أرضنا.. هم العدو فلنحذرهم، هكذا قال ديننا لكننا ندرك أنهم العدو فنتقرب منهم.!!
في هذا العصر الغريب العجيب تعود لتُثيرني قصة البطل المصري محمد كريم حد الجنون، وأراها تكرر في شتى العصور، فحين يمسك التجار بزمام الأمر يصبح سعر البطل منخفض بل يتحول إلى مجرم، محمد كريم لمن لا يعرفه هو قائد المقاومة حين احتل نابليون مصر، وبعد ان تم اعتقاله عز على نابليون إعدام مقاتل شرس وبطل مقدام، فعرض عليه أن يدفع عشرة الاف قطعة ذهبية وهو مبلغ زهيد كون ديون محمد كريم على تجار الاسكندرية اضعاف هذا المبلغ، وكان يُساق يومياً للسوق على أمل أن يقوم التجار بدفع المبلغ، لكنهم رفضوا منحه ولو دينار واحد واعتبروه السبب في تراجع تجارتهم، ليقول نابليون كلمة تحفر بماء الذهب ” ليس أمامي إلا اعدامك ليس لأنك قاومتنا وقتلت جنودنا ولكن لأنك دفعت بحياتك مقابل أناس جبناء تشغلهم تجارتهم عن حرية الأوطان”، لنجد ان الثائر لأجل مجتمع جاهل يفضل العبودية على الحرية هو كرجل اشعل النار في نفسه ليضيء الطريق أمام ضرير.
وفي عصر الضلال والإضلال نجد الضياع هو السمة الأبرز وندرك أن الوصول للهدف الأسمى ممنوع سواءاً بالنهوض بالدول أو تحرير ما سُلب منها عن طريق تركيا وإيران وإسبانيا، ففي هذا العصر اختفت الأهداف الكبرى وحلت مكانها المصالح العظمى، فأصبحنا لا نجد وطناً موحداً ففي بلاد العرب أوطاني كل يغني على ليلاه، وكل يبحث عن تحقيق أهدافه، فيما الأوطان تأتي في نهاية الطريق وربما لن يصلها اصحاب الأجندات المطبوعة في واشنطن وتل الربيع وموسكو ولندن، فنحن لا نجيد الطباعة كون جوتنبيرغ ليس منا واكتفينا باستيراد المفاهيم الجاهزة لتضيع ثقافتنا وسط زحام الثقافات المستوردة، لنشعر بأننا كإبرة في كومة قش نبحث عن طريق النجاة فلا نهتدي إليها.
والغريب وربما الأغرب أن الطريق واضحة جلية وتتمثل بالفكر الشمولي وليس الفردي، والنهضوي الثوري وليس البقاء على من نحن عليه، وفي بدايتها العودة إلى الوحدة وتكون نقطة الإنطلاق بإلغاء جامعة الدول العربية والخروج من المنظمات العالمية كدولة منفردة والعودة إليها كدولة واحدة، وإلغاء الحدود ومنع عبادتها وتوحيد العملة والهدف ورسم الطريق الأوحد والأمثل كأمة واحدة، وعندها سنصبح القوة الأبرز في العالم وربما نصبح الدولة السادسة التي لها حق النقض الفيتو، فالكبير القوي يحسب له العالم ألف حساب أمام الضعيف فيبقى على الهامش يتلقى الأوامر وينفذها صاغرا، فهل نتغير أم نبقى على ما نحن عليه بتركنا اعداء الأمة من أبناء جلدتها يقودوننا صوب الموت أو العبودية.