حرّروا الأراضي!
بقلم: أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

قبل سنوات، حضرت محاضرة عن سياسات الشرق الأوسط، في الولايات المتحدة الأميركية، قال الأستاذ فيها إن الكويت قادرة على منح كل مواطن منزلاً وراتباً شهرياً يؤمن له حياة كريمة وسيارة، من دون الحاجة لأن يعمل المواطن، بينما اليوم وبعد مرور سنوات، أشعر بالخجل عند مناقشة أي من جيراننا الخليجيين، عندما يكون الحديث عن السكن، أن أقول إن الكويتي يحلم بامتلاك منزل بـ٤٠٠ متر في إحدى المناطق المتواضعة!

سنوات ونحن نسمع «طحنة» بمجلسي الأمة والوزراء، ونقاشات وحوارات شتى وندوات عن الأزمة الإسكانية وأسبابها وحلولها، وبينما هذه الحوارات قائمة، تواصل أسعار العقارات السكنية مسيرها نحو الارتفاع بلا هوادة، فكلما يحاول المواطن أن يدخر ليشتري منزلاً تسابقه الأسعار، حتى يتعب وينسى حلمه وينتظر بيت الحكومة، ليسكن بعد عشر سنوات من زواجه على الأقل قريباً من «الحدود» بلا خدمات متكاملة!

أخيراً، خرجت لنا الحكومة بحل يعتبر أحد الحلول الناجعة في حل القضية الإسكانية، لو طبق بشكل سليم، وهو قانون التمويل العقاري، إلى هنا الحل جميل، ويكفل توفير سيولة للمواطن، وإن كانت سيولة تحت رحمة البنوك، ولكن الإشكالية ستكمن في أن القانون بلا تحرير الأراضي والتحكم بالأسعار سيفاقم الأزمة، وسيخلق أزمة جديدة وأكبر من الحالية، حيث من المتوقع أن يقفز القانون بأسعار العقار السكني بصورة غير مسبوقة.

ففي سيناريو بسيط جداً سيوفر القانون الأموال للمواطنين عبر الاقتراض من البنوك، فيزيد الطلب على الشراء بينما دون تحرير الأراضي واحتكارها سيبقى العرض كما هو، بالتالي ترتفع الأسعار وندخل في دوامة تضخم وهمي! الأمر الذي يجعلنا نهمس في أذن الحكومة «إما حل متكامل الأركان يوفر التمويل ويضمن الأسعار المعقولة، وإلا فأبقوا حلولكم في الأدراج».

اليوم لدينا مشكلة فعلية في السكن، فالمواطن ينتظر سنوات عجافاً ليحصل على تخصيص لبيت الحكومة، ثم ينتظر سنوات أخرى ليصدر له أمر بناء، في منطقة بلا خدمات وبعيدة من دون أن توفر له الحكومة احتياجات المدن الإسكانية المتكاملة، فاليوم ليس لدينا مدن إسكانية فعلية على أرض الواقع، بل لدينا مناطق منفردة، وكأننا اقتطعناها من المدينة ورمينا بها في وسط الصحراء، ونريد للمواطن أن يسكن فيها من دون حتى أن نوفر له الطرق الملائمة ليذهب إلى دوامه يومياً، ويضطر المواطن بسبب عدم وجود خيار آخر إلى القبول، بينما الحلول كثيرة.

واستغرب من حكومة، تمتلك كل هذا الطاقم الاستشاري، انها لا تستطيع أن تدخل القطاع الخاص على سبيل المثال في حل الأزمة الإسكانية، فما الضرر من أن تحرر الأراضي الداخلية، وتعطى للقطاع الخاص لبناء مدن صغيرة، ومناطق بمنازل معقولة المساحة، وتخصص للمواطن، شريطة أن يكون قطاعاً خاصاً متنوعاً، بلا احتكار على مفاصله.

اليوم، علينا أن نعي أن هناك حاجة فعلية لأن ندعم ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وأن نوفر لهم حلاً جذرياً للأزمة الإسكانية، لا حلولا تفاقم المشكلة بمضمونها، فلو افترضنا أن الأسرة الكويتية الحديثة اليوم، براتب لزوجين يصل إلى ألفي دينار شهرياً ادخرته لمدة عشرين سنة من دون أن تصرف ديناراً واحداً، ولو افترضنا فرضاً محالاً أن أسعار المنازل بقيت كما هي من دون أن ترتفع بعد عشرين عاماً، فمجموع ادخارها البالغ ٤٨٠ ألفاً، لن يمكنها من شراء منزل في منطقة معقولة في البلاد، فالتفتوا إلى الشباب وحرروا لهم الأراضي، ثم فكروا في التمويل لشرائها!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى