الولايات المتحدة.. اشتباكات بين الجماعات الموالية لإسرائيل والفلسطينيين وهجمات معادية للسامية
إندلعت اشتباكات بين الجماعات الموالية لإسرائيل والفلسطينيين في تايمز سكوير في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة نيويورك.
بينما كان العالم يشاهد القتال المحتدم في إسرائيل وغزة، عانى اليهود الأمريكيون من زيادة في الهجمات المعادية للسامية على نطاق لم نشهده خلال نزاعات الشرق الأوسط السابقة.
ويقول الخبراء إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تلك الهجمات- بما في ذلك شجار في وضح النهار في تايمز سكوير بمدينة نيويورك- تشير إلى توجه ارتبط بالنزاع الأخير أم أنها جزء من مستويات مرتفعة بالفعل من أمثال تلك الحوادث التي شوهدت في جميع أنحاء البلاد في السنوات الأخيرة.
كما اندلعت أعمال عنف ومضايقات استهدفت اليهود الأمريكيين من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية خلال 11 يوما من القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو القتال الذي انتهى بوقف إطلاق النار في 20 مايو/آيار الجاري.
وشملت تلك الحوادث تعرض رواد مطعم في الهواء الطلق في لوس أنجلوس لهجوم جسدي من قبل مجموعة تحمل أعلام فلسطينية، وأعمال عنف ضد يهود أرثوذكس في مدينة نيويورك، موطن أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل، ولصق صور نازية في كنيس يهودي في ألاسكا هذا الأسبوع.
كما تم توثيق احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين وعمليات تخريب معادية لليهود في المعابد اليهودية في إلينوي وفلوريدا، والتي سرعان ما أفضت إلى تعزيز الإجراءات الأمنية بسبب تلك الهجمات.
وغرد الرئيس الأمريكي جو بايدن في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يوم الاثنين قائلا: “إن الهجمات الأخيرة على الجالية اليهودية خسيسة ويجب أن تتوقف”.
وبحسب شرطة مدينة نيويورك، فقد تم الإبلاغ عن 80 من جرائم الكراهية المتعلقة بمعاداة السامية هذا العام، مقارنة بـ 62 من تلك الجرائم في الفترة نفسها من العام الماضي. وقد كثفت شرطة نيويورك الدوريات في المجتمعات اليهودية وخاصة في الأحياء اليهودية الأرثوذكسية حيث يزيد ظهور الملابس اليهودية التقليدية من احتمالية الهجوم.
وتقول رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل)، التي تتعقب حوادث العنف والتحيز ضد اليهود، إنها شهدت زيادة بنسبة 75 في المئة في بلاغات معاداة السامية إلى مكاتب الوكالة الإقليمية البالغ عددها 25 بعد بدء القتال الإسرائيلي الفلسطيني.
وقفز الرقم من 127 حادثا في الأسبوعين السابقين للقتال إلى 222 حادثا في الأسبوعين التاليين لاندلاع العنف.
ويقول أورين سيغال، نائب رئيس مركز مكافحة التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل)، إن زيادات مماثلة حدثت في النزاعات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة.
وأضاف سيغال قائلا: “عادة، ليس من المستغرب أن نرى ارتفاعا في تلك الحوادث بسبب الفتنة والغضب اللذين يأتيان مع اندلاع الصراع”.
وتابع نائب رئيس مركز مكافحة التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) قائلا: “إن هناك الكثير من الاحتجاجات، والمزيد من المظالم، وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى الكثير من التعبير عن معاداة السامية ووقوع حوادث معاداة للسامية”.
وتعد اليهودية في الولايات المتحدة ديانة يعتنق أتباعها مجموعة متنوعة من المعتقدات السياسية. ويخلط منتقدو إسرائيل أحيانا بين إسرائيل، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم ، والديانة اليهودية.
ويقول سيغال إن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت أيضا دورا رئيسيا في زيادة تلك الحوادث. وتتبعت رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) منذ بدء الصراع إشارات متزايدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر لوسوم مؤيدة للنازية.
وكانت معاداة السامية في الولايات المتحدة قد ارتفعت “قليلا جدا” خلال حروب أخرى في تاريخ إسرائيل، مثل حرب عام 1967 وحرب عام 1973 وأثناء الانتفاضات الفلسطينية في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك بحسب يهودا ميرسكي، الأستاذ في جامعة برانديز الذي يدرس التاريخ اليهودي المعاصر.
ويقول ميرسكي: “لقد رأينا أشياء مثل هذه من قبل”، مشيرا إلى أنه “من السابق لأوانه تحليل الأرقام، لكن تبدو تلك الحوادث كثيرة، وهذه المرة تبدو أكثر”.
ويضيف قائلا إن النشطاء الأمريكيين من مختلف الأطياف السياسية يستخدمون الصراع أحيانا “لتصنيع انقسام اجتماعي” من زوايا مختلفة تترواح أقصى اليمين كما هي الحال مع مستشار ترامب السابق ستيف بانون إلى “أنتيفا”وهي مجموعة غير متماسكة من النشطاء من أقصى اليسار.
ويقول ميرسكي عن الصراع: “في كثير من النواحي، يتم تحويل النضال القومي بين مجموعتين قوميتين إلى الإطار الأمريكي الذي يعتبره نضالا من أجل الحقوق المدنية”.
وتابع قائلا: “في السنوات الأخيرة، بينما كان الناس يتجاذبون حول مصطلحات مثل (الفصل العنصري) و(التطهير العرقي)، فإن تلك المصطلحات تأخذ إسرائيل نوعا ما خارج عالم السياسة لتضعها ضمن صراع أخلاقي خالص”.
وتابع ميرسكي قائلا إن المعركة الأخلاقية تصرف الانتباه عن حقيقة أن الصراع هو “وضع سياسي معقد بشكل لا يصدق”.
ومضى ميرسكي، الأستاذ في جامعة برانديز الذي يدرس التاريخ اليهودي المعاصر، قائلا: “إنه بالتالي تصبح هذه حكاية أخلاقية صارخة بالأسود والأبيض والتي لا يمكن أن يكون للأشرار فيها أي مبرر على الإطلاق، وهؤلاء الأشرار يصبحون الإسرائيليين وأولئك الذين يدعمونهم”.
وجد تقرير سنوي صادر عن رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) في أبريل/ نيسان من العام الجاري أنه تم الإبلاغ عن 2024 حادثة معادية للسامية في عام 2020 بانخفاض 4 في المئة عن أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2019.
وقد شهد العام الماضي ثالث أكبر عدد من البلاغات عن الاعتداء والمضايقات وعمليات تخريب أو نهب ممتلكات تجاه اليهود الأمريكيين منذ أن بدأت رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) لأول مرة في تتبع البيانات في عام 1979.
ويقول خبراء إن الهجمات الأخيرة كانت مدفوعة من اليسار السياسي أكثر من أي وقت مضى. ويأتي ذلك في الوقت الذي يلوم فيه أنصار الفلسطينيين اليهود الأمريكيين على سياسات الحكومة الإسرائيلية.
وقال جوناثان غرينبلات، من رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل)، لصحيفة نيويورك تايمز: “بدا الأمر، على مدى 4 سنوات، وكأنه تحفيز من اليمين السياسي مع ما ترتب على ذلك من عواقب وخيمة”.
لكن غرينبلات أضاف قائلا إنه في الهجمات الأخيرة “لم يكن أحد يرتدي قبعات ماغا” ، في إشارة إلى القبعات التي يرتديها مؤيدو ترامب وتحمل شعار لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.
ومازال الكثير من معاداة السامية في الولايات المتحدة يأتي من اليمين المتطرف، بما في ذلك المسلح الذي قتل 11 شخصا في كنيس يهودي في بيتسبرغ في عام 2018.
في تجمع عام 2017 في شارلوتسفيل، هتف نشطاء من اليمين المتطرف “اليهود لن يحلوا محلنا”
لكن أورين سيغال، نائب رئيس مركز مكافحة التطرف التابع لرابطة مكافحة التشهير يقول: إنه ليس من المهم أي جانب من الطيف السياسي يحرض الحركة المعادية لليهود.
وأوضح :”إن معاداة السامية ليست قضية يمينية، كما أنها ليست قضية يسارية، وإنما هي مشكلة في حد ذاتها، وهي مشكلة فريدة من نوعها بغض النظر عن مكان وجود شخص ما في الطيف الأيديولوجي، فهم قادرون على التلاعب باستعارات معادية للسامية لتوضيح نقطة ما إذا أرادوا ذلك”.
وتابع قائلا: “إنه في بعض الأحيان ، لا تأتي بالضرورة من أقصى اليسار أو من أقصى اليمين المتطرف،بل هي مجرد معاداة للسامية”.
وأوضح سيغال، من رابطة مكافحة التشهير(إيه دي إل)، قائلا إن شخصيات عامة مثل عضوة الكونغرس عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين، التي شبهت التعامل مع الناس فيما يتعلق بإجراءات الأمان الخاصة بفيروس كورونا وتحديدا فرض ارتداء الكمامة بالتعامل مع اليهود في الهولوكوست، المحرقة التي قتلت 6 ملايين يهودي، مما لعب دورا رئيسيا في الارتفاع العام في معاداة السامية في الولايات المتحدة.
وأضاف قائلا: “إن أي مسؤول عام، من اليسار كان أم من اليمين، يقوم بتطبيع (أي استخدامها بطريقة طبيعة من دون الالتفات إلى مخاطرها) الاستعارات التي يشيع استخدامها من قبل المعادين للسامية، هذه مشكلة”.
ومضى يقول: “إنني أعتقد أن تطبيع الاستعارات المعاداة للسامية له علاقة بتزايد معاداة السامية أكثر مما قد يعتقده الناس”.