الأجندة اللبنانية الوحيدة… أجندة إيرانيّة
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

كانت الحاجة إلى “العهد القويّ”، عهد الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، كي يكتمل الانهيار اللبناني الكامل الذي يعبّر عنه أفضل تعبير احتجاز المصارف لودائع اللبنانيين والعرب والأجانب الذين وضعوا ثقتهم في النظام المصرفي اللبناني. بدل أن يقدّم ميشال عون استقالته ويرحل عن قصر بعبدا، نراه يمعن في وضع العراقيل في طريق تشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري يمكن أن تعيد بعض الأمل في الحصول على مساعدات خارجية قد تساعد، قبل فوات الأوان، في وضع حدّ للانهيار. بات طموح لبنان حاليا وقف الانهيار الذي يبدو واضحا أنّ لا قعر له في ضوء غياب رئيس للجمهورية يعي ماذا يعني احتجاز ودائع المواطنين وإلغاء الدور التاريخي لبيروت كمصرف للعالم العربي.

لا يمكن استغراب أيّ تصرّف يصدر عن “العهد القوي” الذي لم يدرك إلى الآن معنى تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020 والنتائج المترتّبة على ذلك، خصوصا بالنسبة إلى الهجرة المستمرّة للبنانيين من بلدهم. حصر رئيس الجمهورية همّه في منع حصول تحقيق دولي في جريمة موصوفة لعبت دورا في إلغاء دور بيروت… كما لو أنّ معرفة الحقيقة في تفجير المرفأ لا تعنيه من قريب أو بعيد.

مثلما لم يوجد في العام 1969، باستثناء العميد ريمون إدّه، من يستوعب النتائج المترتّبة عن توقيع اتفاق القاهرة، الذي سمح للمسلّحين الفلسطينيين باستخدام الأراضي اللبنانيّة، لا يوجد في السنة 2021، سوى قليلين يدركون المعنى العميق لانهيار القطاع المصرفي اللبناني. ما نشهده حاليا في “عهد حزب الله”، الذي زاد عمره على أربع سنوات، هو انهيار آخر لجزء من لبنان… أو لما بقي من لبنان. لا يتعلّق الموضوع بانهيار النظام المصرفي اللبناني فحسب، بل يتعداه إلى قطاعات أخرى هي في أساس وجود لبنان وازدهاره أيضا. بين هذه القطاعات التعليم والاستشفاء والسياحة والإعلام والخدمات بشكل عام. كيف لشركة لبنانية أو عربيّة أو أجنبيّة العمل من لبنان؟ ما مستقبل خريجي الجامعات في لبنان؟ لم يترك “العهد القوي” للّبناني العادي من طموح سوى طموح العثور على تأشيرة من دولة عربيّة أو أجنبيّة تخرجه من جحيم بلد كان اسمه لبنان. ألم يقل ميشال عون إن وجهة لبنان هي “جهنّم” لدى سؤاله في إحدى المرّات إلى أين نحن ذاهبون؟

كان القطاع المصرفي بنظامه الحر، الذي احتاج بناؤه سنوات طويلة، خطّا أساسيا في الدفاع عن لبنان. هناك من يعتبر أنّه بقي خط الدفاع الأوّل عنه في ضوء تشابك المصالح بين كلّ فئات المجتمع من أجل المحافظة على مصارف بيروت كجاذبة للأموال والاستثمارات العربية وغير العربية وأموال اللبنانيين العاملين في الخارج ولعب دور الملجأ الآمن لها. لذلك، كان ذلك التنوّع في تركيبة كلّ مصرف من المصارف، وهو تنوّع ساهم فيه العرب الأغنياء الذين وجدوا موقعا قويّا لهم في غير مصرف لبناني. لذلك أيضا كانت هناك دائما مصارف أجنبية تعمل انطلاقا من لبنان وبيروت بالذات. بقي معظم هذه المصارف يعمل في أحلك الظروف…

لم يعد هناك حاليا ما يدافع به لبنان عن نفسه. في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، ستكون هناك مجاعة في لبنان. هناك نحو 23 ألف موظف يعملون في المصارف اللبنانية. وهناك 120 ألف موظف يعملون في مؤسسات خاصة صغيرة وكبيرة. هؤلاء مهدّدون بالصرف في حال استمرّ الوضع الاقتصادي في التدهور. معظم هؤلاء لديهم قروض عليهم تسديدها للمصارف. كيف سيسددون هذه القروض التي لها علاقة بالسكن أو شراء سيارة، فضلا عن أمور أخرى في حال توقف النشاط التجاري في البلد؟

هل وضع لبنان ميؤوس منه؟ الجواب أقرب إلى نعم من أيّ شيء آخر. لا تزال هناك فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصا بالنسبة إلى القطاع المصرفي الذي ستحتاج إعادة الثقة به وبلبنان العشرات من السنوات في أقلّ تقدير. أين الفرصة؟ الفرصة في تشكيل حكومة اختصاصيين على وجه السرعة. وحدها حكومة من هذا النوع  تستطيع إيجاد بصيص أمل للبنان… هذا إذا كان لا يزال في الإمكان الحديث عن بصيص أمل من أيّ نوع كان.

هناك عهد اسمه “عهد حزب الله” شارف على نهايته. تكمن خطورة هذا العهد على لبنان في أنّه أزال خطا، ربّما كان وهميا، رسمه المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، والعرب القادرون ماليا. كان هذا الخط يفصل، ولو نظريا، بين الحكومة اللبنانية من جهة و”حزب الله” الذي يتحكّم بمفاصل الدولة اللبنانية وسياستها الخارجية من جهة أخرى. ما ساهم في إزالة الخط أيضا تدخل الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا والعراق واليمن…

لم يعد هذا الخط الوهمي موجودا، أقلّه من وجهة نظر واشنطن والعرب القادرين على مساعدة لبنان. فوق ذلك كلّه، اكتشف الأميركيون والأوروبيون والعرب أن لبنان لا يريد أن يساعد نفسه، لا عن طريق تشكيل حكومة “محترمة” ولا عن طريق اختيار شخصية ما زالت قادرة على مدّ الجسور مع الخارج. على العكس من ذلك، هناك من يريد تصفية حساباته مع سعد الحريري في هذه الظروف بالذات. كان يمكن لمثل هذا التوجّه أن يكون منطقيا لو أمكن إيجاد شخص على رأس الحكومة يكون قادرا على فتح قنوات اتصال ذات جدوى مع واشنطن والعواصم الأوروبية والعربية.

دافع النظام المصرفي، مع عدم تجاهل حصول تجاوزات كثيرة في أحيان كثيرة، عن لبنان المتنوّع والمزدهر الذي عرفناه والذي كاد يذهب ضحية توقيع اتفاق القاهرة قبل نصف قرن.

من يدافع حاليا عن النظام المصرفي الذي فيه ودائع لكل اللبنانيين من كل الطبقات والمذاهب والطوائف والذي يختزل في الوقت ذاته جزءا من ثقافة الحياة والحيوية اللبنانية والمبادرة الفردية التي تميّز بها أهل البلد؟…

لا وجود لمن يدافع عن لبنان في الوقت الحاضر في غياب عهد لا همّ له سوى استرضاء بشّار الأسد. لا وجود لأجندة لبنانية واضحة لدى “العهد القوي”. الأجندة الوحيدة هي الأجندة الإيرانية التي كان النظام المصرفي إحدى ضحاياها. هذا كلّ ما في الأمر في بلد، اسمه لبنان، متروك لمصير بائس مطلوب أن يتحوّل أهله إلى متسوّلين يسعون إلى ركوب أوّل طائرة يستطيعون الوصول إليها للهجرة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى