كيف غيّرت مراكش جورج أورويل
بقلم: سمير عطا الله
النشرة الدولية –
كان جورج أورويل أحد الذين أقاموا مدرسة جديدة في النثر، خلال القرن العشرين. لم تكن مدرسته جمالية أو أسلوبية مثل إرنست همنغواي وجيمس جويس، ولم تكن طوفاناً من الواقعية كما عند وليم فوكنر، بل كانت رحلة تغييرية في عمق الفكر الإنساني. لكن رحلة العمق لم تبدأ مع بداياته، بل حصل التغيير الأساسي في حياته وعمله خلال زيارة إلى مراكش، كما يقول دانيال بولي في «أرامكو وورلد». وتعتبر الفترة التي أمضاها أورويل في المغرب بالغة الأهمية لأنها أثرت فيه وشهدت تحوله من روائي تقليدي يتميز بتعاطفه مع المظلومين إلى كاتب سياسي قوي وثاقب الفكر.
وكان أفضل كتبه السابقة، مثل «متشرداً في باريس ولندن» (1933)، «أيام بورما» (1934)، «والطريق إلى رصيف ويغان» (1937)، يعكس حساسية مراقب، متعاطف ولكنه موضوعي مع فقراء الطبقة العاملة. أما الكتب التي تلت فترة مكوثه في المغرب، فتتضمن وصفه الرائع للحرب الأهلية الإسبانية في «الحنين إلى كاتالونيا» (1938)، ورواية «الصعود إلى الهواء» (1939) التي كتبها أورويل وهو لا يزال في المغرب. ويمثل هذان الكتابان مرحلته الانتقالية، ويدلان بأكثر من طريقة على ما سيليهما من تحف أدبية: كتابا «مزرعة الحيوانات» (1945) و«ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون» (1984)، اللذان باعا معاً أكثر من عشرين مليون نسخة في 30 لغة مختلفة حول العالم.
وفيما كان في المغرب، وضع أورويل أيضاً مقالة مهمة بعنوان «مراكش» (1939)، غالباً ما يمكن إيجادها في مجموعات المقتطفات الأدبية المختارة، وحتى في كتب تعليم كتابة المقالات. وبالإضافة إلى ذلك، كتب مراجعات كتب متعددة يكشف محتواها عن رؤيته السياسية وهي في طور النضوج، فيما يعد المعلقون رواية «الصعود إلى الهواء» أهم إنجازاته. وبالتالي، فإن فترة وجود أورويل في المغرب كانت فترة مثمرة، رغم أنها في بادئ الأمر كانت فترة إجازة.
وكان أورويل يعاني من مرض الرئتين معظم حياته، وبعد أول نوبة سل مشخصة أصابته العام 1938، نصحه طبيبه المعالج بأن يمضي فصل الشتاء في مناخ معتدل. فسافر وزوجته جنوباً في شهر سبتمبر (أيلول)، وكانت سفرته ممولة من جهة كاتب بريطاني آخر بقي مجهول الهوية. وانتقل الثنائي ليعيش في شارع إدمون نوتي في ضواحي مدينة مراكش.
وأسفرت رسائل أورويل عن ملاحظات مؤثرة وصف فيها مدينة مراكش، وكان من الواضح أنه ركز على معاناة الطبقة العاملة فيها، على مثال كتبه السابقة. وكان يشدد في كل مرة على رغبته في التواصل مع السكان المحليين، ولكن وضعه كسائح حال دون عمله إلى جانبهم والتماهي معهم. وعند وصوله، كتب «لطالما اعتبرت… أن المرء لا يتعلم شيئاً من بلد غريب إلا إذا اتخذ عملاً فيه، أو مارس نشاطاً يجعله منخرطاً مع السكان. وبالتالي فإن هذه الرحلة جديدة بعض الشيء عليّ، لأنني وللمرة الأولى أتخذ مكانة السائح. ونتيجة لذلك، أجد أنه من شبه المستحيل… أن أتواصل مع العرب، فيما (في ظروف مختلفة) يتوجب عليّ أن أدخل مباشرة لأنخرط في أي نوع من المجتمعات المثيرة للاهتمام، رغم الصعوبة اللغوية».
ومراقبة أورويل للوضع الاستعماري في المغرب هي التي أدت إلى كتابته مقالة «مراكش» التي قدمها بأسلوب واضح وشغف مسيطر عليه، وهي تظهر مرة جديدة حرص أورويل على كرامة العمال.