همسه نهد

النشرة الدولية –

زينب هداجي –

تحاول حشري يوميا في حمالة صدر اسفنجية حجمها يفوق حجمي مرتين ثم تضع فوقهما أخرى قطنية ضيقة حتى يكون المظهر أكثر تناسقا ليصر عملها نحتا مرمريا متقنا … تقف أمام المرآة لتنظر إلى منجزها الفني و الفخر يفوح من ابتسامتها المقتضبة. ترتدي قميصا حريريا رقيقا … تأخذ موقعها أمام المرآة مجددا لتصادق نهائيا على مظهرها لهذا اليوم …

تتوجه إلى عملها متلرجلة و تنسى ضجيج الشارع و صخب الناس في الطريق إلى أن تفيق فجأة على صرير الفرامل … يخرج السائق رأسه من النافذة ليشتمها لعدم انتباهها. أحس بالانكماش تحت الحمالة، كأنني بدأت أتقلص شيئا فشيئا كأن الاسفنجة تتشربني لأختفي داخلها …

تندم لأنها فكرت يوما في تحوير الهيأة التي جاءت بها إلى هذا العالم … أحس بأنني تحررت من سجن الاسفنجة و أن قضبان الحمالة تفككت فجأة … لم أعد أشعر برغبتها اليومية في وأدي … توقفت أمام كشك ليع السجائر اقتنت علبة من النوع الفاخر و ولاعة رغم أنها لا تدخن، رمتهما في حقيبتها اليدوية و واصلت طريقها نحو وجهة لا أعلمها … إن ذلك يثير قلقي … سلوكها يزداد غرابة يوما بعد يوم. لقد نسيت أنها تقصد ذلك المكان المليء بأناس لا يعون بوجودها بينهم و إذا وعوا بوجودها فإن وعيهم لا يتجاوز بعد الاستنكار أو الاستهجان أو المحاسبة … نسيت أنني من المفروض أن أذهب إلى ذلك الركن الخانق بكراسيه الشوكية و إضاءته الحزينة و رائحته العفنة … حيث أتعرق بشدة و أحس بأن رأسي سينقطع في أي لحظة لأنها تحكم شد الحمالة من حين إلى آخر … أصبحت تقوم بذلك الفعل التعذيبي بطريقة ميكانيكية خالية من كل شعور … كأنما انفصلنا عن بعضنا البعض … أي لعنة ألحقت بها من برزت بكل وقاحة عند سن البلوغ ثم توقفت عن النمو فجأة … لقد انتظرت مني الكثير و صبرت طويلا و لم تنل شيئا … إنني حمل ثقيل يقيم على صدرها منذ سنوات … انى ستبدأ بالتدخين الآن … فأصاب بذلك الداء الخبيث و أقضي على حياتها …

وصلت إلى المكتب. سمعت توبيخ مديرها المعتاد الذي لم تعد تشعر به كما لم تعد تحس بي. جلست إلى منضدتها تحاول تنظيم الملفات التي تشابكت تشابكا خانقا … حتى تبادر إلى مسمعها صوت إلى الزملاء يطلب وثيقة ما و يضع في فمع سيجارة غير مشتعلة كأنه لم يجد ولاعة … مدته بالوثيقة و في نفس الآن أخرجت الولاعة من حقيبتها و تجاسرت لتشعل سيجارته و هي تنحني قبالته محاولة تقليد نجمات الإغراء … أتعرق بشدة تحت وطأة تلك الجرأة المفاجأة … انزلقت الحمالتان و سقطتا تحت القميص الحريري … ضحك الرجل منها بعد أن سحب نفسا عميقا من سيجارته … تركها تتخبط في خجلها القاتل … أحاول تمزيق تلك الشرايين و الأوردة التي تربطني بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى