أن «تتجسّس» أميركا على أقرَب حُلفائِها… مَن وماذا سَيردَعها؟
بقلم: محمد خروب
النشرة الدولية –
إعلان مُتحدثة البيت الأبيض «إستعداد واشنطن للعمل مع الأوروبيين بشأن قضية التجسّس الأميركي على أقرب حلفائها»..لن ينجح في التقليل من تداعيات الفضيحة الجديدة, التي لم تشكّل مفاجاة في واقع الحال, خصوصا إذ ما عُدنا سنوات قليلة الى الوراء, لقراءةما كشفته الوثائق التي «سرّبها» في حزيران2013 الأميركي إدوارد سنودن لموقع «ويكيليكس”, ما اثار ضجة/صدمة في الدوائر الأميركية السياسية/التشريعية/الإستخبارية, وَضعَت أجهزة الأخيرة تحت الأضواء, لكنها واصَلت ارتكاباتها عبر العالم, مستندة الى ضخامة تمويلها وعديدها المهمول من الموظفين والمُتعاقِدين والعملاء داخل اميركا وخارجها, الذين يستخدمون أحدث برامج المراقبة «على كل شيء» ليس ما خصّ الأمن القومي الأميركي وإنما يتعدّاه الى خصوصيات الحُكام وأحزاب المعارَضة والتجسس الإقتصادي والدبلوماسي عبر شبكة الإنترنت ومئات الأقمار الصناعية والهواتف المحلية/والنقّالة وكابلات الألياف البصرية بل والحواسيب الشخصية.
ما كشفه تحقيق مُشترك للتلفزيون الدانماركي وصحيفة «لوموند الفرنسية»، ورغم إقتصاره على سنوات 2012 ــ 2014 (كان أوباما/بايدن في البيت الأبيض) فإن قادة الدول الأربع المُستهدَفة كانوا الأقرب الى واشنطن سواء المستشارة الألمانية ميركل أم خصوصاً الرئيس الفرنسي السابق (الإشتراكي) فرانسوا هولاند, ناهيك قادة النرويج والسويد. ما يستدعي العودة الى الإرث القذِر لوكالات الإستخبارات الأميركية المُتعدّدة الأذرع والتسميات, والتي باتت ىلآن تحت رئاسة واحدة هي وكالة الأمن القومي NSA, تبرز فيها الأكثر ميزانية ونفوذا/CIA, ذات التاريخ المُشين بتدبير المؤامرات وتبرير الإنقلابات (تشيلي/1973) والتخطيط للإغتيالات والغزوات(كوبا/كاسترو/خليج الخنازير) وتجنيد المُرتزقة و”المجاهدين» (أفغانستان) خصوصاً في افريقيا وآسيا ودائماً في بلاد العرب, حيث يبرز فجأة قادة وزعماء ما كان لأحد أن يصدّق أن شخصيات باهتة/عسكرية/حزبية/وسياسية, يمكنها قيادة دول دون «تزكية» ودعم من «محطات» CIA المنتشرة في معظم بلاد العرب.
ما يلفت الإنتباه هي ردود الفعل الباهتة والمتلعثمة التي صدرت عن الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل المُستهدَفة شخصياً بالتجسّس الأميركي هي ووزير خارجيتها السابق/الرئيس الحالي شتاينماير إذ قال ماكرون”التصّنت على الحلفاء «غير مقبول»…لافتاً الى ان باريس وبرلين تسعيان للحصول «على توضيح كامل لما حدث”, فيما اكتفت ميركل بتأييد موقف ماكرون, مُعلِنة «ارتياحها» كون الحكومة الدنماركية (الشريكة في التجسس) قد أعلنت بوضوح شديد موقفها من هذه «الأمور”,…مضيفة في تهرّب مكشوف لعدم إتخاذ موقف حازم: أنه «أساس جيّد ليس لتوضيح الوقائع فحسب، بل ايضاً أضافت…لإرساء علاقات من الثقة؟.
ما يُؤشر…ضمن أمور أخرى, أن أوروبا خاصة قاطرة الإتحاد الأوروبي ألمانيا وفرنسا, لم تُظهِر قدرة ولا رغبة بالإحتجاج أو التلويح بخطوات مضادة. وهو ما تدركه إدارة بايدن تماماً كما كانت حال واشنطن تجاه حليفتها الأقرب/الأعزّ…إسرائيل, عندما جنّدت الأخيرة اليهودي الأميركي جوناثان بولارد, الذي اخترَق «أقدس أسرارها» وانتهي الآن مواطِناً في اسرائيل يُفاخر علناً بأنه خدم «دولتَه» ولم يستطِع رفض تجنيد الموساد وتقديم خدمات لـِ”أبناء شعبه».
الأصداء التي فجرّها تحقيق التلفزيون الدنماركي ولوموند الفرنسية, لن تلبث أن تتبدّد ويطويها النسيان, عبر غضّ أوروبا الطرف عن مقارفات وكالات التجسّس الأميركية, التي لن تُوقف تجسّسها عبر تمسّكها بأسطوانة «الدفاع عن الأمن القومي والمصالح الأميركية في العالم أجمع, استناداً إلى ما واظبت التأكيد عليه وهو «الإستثنائية الأميركية» التي تسمح لها بتجاوز كل الخطوط والمحاذير.