حكومة الأقطاب… من جرّب المجرَّب كان عقله مخرَّبًا
بقلم: اندريه قصاص
النشرة الدولية –
المطلوب توحيد الرؤية حول عملية الإنقاذ مما نتخبّط به. المطلوب تنقية النفوس وغسل القلوب. المطلوب القليل من التنازلات المتبادلة قبل أي شيء آخر. المطلوب الإنحياز إلى صفّ المواطنين الذين يقفون في الصفّ أمام الأفران والصيدليات ومحطات البنزين وأمام السفارات طلبًا للهجرة.
قبل أن نطالب بحكومة أقطاب، وهي فكرة بنت ساعتها، كما قال البطريرك الراعي، يجب أن نطالب بأن يقتنع هؤلاء الأقطاب بأن خلاص لبنان هو أولوية يتقدّم على غيرها من الأولويات، وأن يقبلوا بالتالي الجلوس إلى طاولة واحدة، وأن يتركوا خلفهم خياراتهم غير اللبنانية وإرتباطاتهم الخارجية.
نعتقد أن المشكلة ليست بالتسمية، سواء أكانت الحكومة حكومة تكنوقراط أو حكومة تكنوسياسية أو حكومة أقطاب. المشكلة الحقيقية، كما هو مبيّن حتى الآن، تكمن في الخلاف المستحكم بين الرئيس عون، ومن خلفه النائب جبران باسيل من جهة، وبين الرئيس الحريري وفريقه السياسي من جهة أخرى. لم نسمع أن الخلاف بينهما هو على التسمية، بل على الحصص والصلاحيات.
فإذا كان من المتعذّر، بل المستحيل، جمع الحريري وباسيل على رغم كل محاولات الرئيس بري، فكيف يمكن جمع الأقطاب الأضداد إلى طاولة واحدة لإتخاذ قرارات إنقاذية، وهم غير قاردين حتى على السلام على بعضهم البعض. وهذا ما حصل مع الحريري وباسيل في جلستي – الرسالة الرئاسية؟
يقول البعض أن فكرة البطريرك الراعي، ولو جاءت بنت ساعتها، قد تكون جديرة بالإهتمام، بإعتبار أن تجربة حكومة المستشارين – حكومة الرئيس دياب – لا تشجعّ كثيرًا على تكرارها، ولو بصيغ مختلفة، لأن كل وزير – مستشار كان يضطّر لترك جلسات مجلس الوزراء لمراجعة مرجعيته عندما كانت تُطرح أمور تحتاج إلى قرار ما.
ربما هذا ما قصده البطريرك الماروني عندما تحدّث عن حكومة أقطاب، أي حكومة تستطيع أن تقرر ما تراه مناسبًا من تلقاء نفسها من دون الإستعانة بـ”صديق” أو بـ”الجمهور”.
ولكن، ربما سها عن بال سيد بكركي أن طاولات الحوار، سوا تلك التي عقدت في بعبدا أو في عين التينة، لم تقدّم ولم تؤّخر في شيء، وبقي القديم على قدمه وبقي الوضع كما كان، بل أسوأ. والدليل ما وصلت إليه البلاد.
في العهود السابقة خبرنا حكومات أقطاب فما كانت النتيجة؟ المزيد من المناكفات والتراشق الكلامي بدلًا من التراشق المدفعي.
المشكلة يا سعاة الخير ويا اصحاب النيافة والسماحة والعطوفة ليست بـ”الرمانة”، بل بتلك القلوب المليانة حقدًا وغطرسة وعنادًا وعنادا في الرأي.
مؤتمرا جنيف ولوزان جمعا الأقطاب فكانت النتيجة المزيد من التشنج وتضييع الفرص.
وحدهما مؤتمرا الطائف والدوحة أدّيا إلى نتائج، ولكن بفضل التدخلات الخارجية. الأول أفضى إلى وقف آلة الحرب وأنتج إتفاقًا لا يزال مفعوله ساريًا حتى الآن، على رغم عدم تطبيق كامل بنوده.
أمّا مؤتمر الدوحة، وبإرادة خارجية أيضًا، أزال مفاعيل 7 أيار، وأرسى نوعًا من التوافق على إدارة الأزمة بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”، وأدّى إلى إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.
مرّة جديدة وربما الأخيرة نقول إن الشعب اللبناني ليس حقل تجارب وليس خاضعًا لمزاجية أحد وليس مكسر عصا ولا فشة خلق أو فرق عملة. الشعب سيقول كلمته ولو طال الزمن.