خطة إسقاط الدولة بدأت وتخوف كبير من انهيار المؤسسات الأمنية
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر نيوز –

لم يكن ما حصل بالأمس حدثاً عادياً، بل حقيقة الأمر أنه بداية تنفيذ خطة إسقاط كافة مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأُخرى.

١- حكاية التعميم وإلغائه:

من حيث الشكل فإن مجلس شورى الدولة نظر بالمراجعة المقدمة أمامه من قبل عدد من المحامين، الذين طلبوا فيها ابطال تعميم مصرف لبنان رقم ١٥١، الذي سمح للمصارف بتنفيذ عملية حسم على الودائع بالدولار، تصل إلى ٧٠٪؜ ، (أي دفعها على سعر ٣٩٠٠ ليرة للدولار بدل سعر السوق الذي تجاوز ١٣ الف ليرة) وهذا ما دفع بلجنة المودعين الى المطالبة بتعديله وإلغائه.

أصدر مجلس شورى الدولة قراراً بوقف تنفيذ تعميم حاكم المصرف المركزي لعدم قانونيته، وطلب تسديد الودائع بالعملة المودعة بها أي بالدولار . فخرج البعض ليقول: أن المودعين أصبحوا ملزمين بسحب دولاراتهم وفقاً للسعر الرسمي أي ١٥٠٧ ليرات بدل ٣٩٠٠ التي اعتمدها التعميم. وفور إشاعة الخبر تهافت المودعون على سحب ما أمكن قبل أن تبدأ المصارف بتنفيذ حكم مجلس شورى الدولة . وفي الصباح الباكر عاجل حاكم المركزي إلى صب الزيت على النار المشتعلة، بالطلب الى المصارف التوقف عن تنفيذ التعميم رقم ١٥١ التزاماً بحكم القضاء، رغم أنه لم يكن قد تبلّغ الحكم بشكل رسمي بعد.

المضحك المبكي أن المودعين باتوا يُدافعون عن قرار حاكم المركزي، الذي يسمح للمصارف بسرقة الودائع، وتسديدها بما يعادل أقل من ربع قيمتها، وذلك نتيجة خوفهم من أن تُدفع وفقاً لسعر الصرف الرسمي، الذي سيُشكّل خسارة ٩٠٪؜ من قيمة الوديعة، أو أن تُدفع بصورة شيكات لا يمكن لهم صرفها في أي مكان.

طبعاً وفقاً للقانون فإن قرار مجلس شورى الدولة لا يُلزم المصارف ، وهو يسري على المصرف المركزي فقط . أما الفصل في الخلاف بين المودعين والمصارف فالصلاحية في ذلك تعود للقضاء العدلي، وليس لمجلس شورى الدولة، وهذه كانت الخطوة التالية التي يجب أن يلجأ اليها المودعون بعد إلغاء التعميم رقم ١٥١.

٢- سقوط مجلس الشورى والقضاء:

تمت القوطبة على تحرك المودعين، فاستدعى رئيس الجمهورية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ، ورئيس مجلس الشورى القاضي فادي الياس، وتمت صياغة مخرج مخالف للأصول والقوانين، اعتبروا فيه: أن قرار مجلس الشورى غير نافذ، لكونه لم يُبلّغ الى المصرف المركزي بعد. وتم تأنيب رئيس مجلس الشورى على عدم تبصره بعواقب الحكم الذي أصدره المجلس.

إن هذه العملية، المضافة إلى تعطّل مجلس القضاء الأعلى بالشغور، وعدم التعيين لأعضاء جدد فيه، وحادثة تمرّد النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، على قرار مدّعي عام التمييز غسان عويدات ، بكف يدها عن ملف الجرائم المالية، واستمرارها في عملها بشكل مخالف للقانون ، إضافة إلى تقاعس قسم كبير من القضاة عن القيام بواجباتهم وعدم معالجتهم لآلاف القضايا المطروحة أمامهم، وفي مقدمها مواضيع هامة، كمكافحة الفساد، وتهريب الأموال وغيرها، استُكملت بالاتهامات التي وُجّهت للقضاء بالفساد، من مراجع رسمية رفيعة، مع استمرار احتجاز مرسوم التشكيلات القضائية لدى رئيس الجمهورية.

كل ذلك شكّل سقوطاً مريعاً للقضاء وللعدالة والقوانين ، وبداية لطغيان منطق الفوضى على منطق الدولة والقانون ، واستمراراً لبلطجة المصارف وأصحابها بمباركة رياض سلامة ورفاقه، الذي يبتدع دائماً أفكاراً وطرقاً خلاقة لسرقة أموال المودعين . فخرجت المصارف ومن خلفها كبار المتمولين والسياسيين، منتصرة في هذه المعركة أيضاً، إن لجهة شرعنة استمرارها في سرقة الودائع ، مقابل تسديد جزء لا يتجاوز الربع منها وبالعملة اللبنانية، أم لجهة التهديد بالفوضى والعودة إلى إغلاق أبواب المصارف، والتوقف عن الدفع نهائياً، مع الاستمرار في تهريب الأموال إلى الخارج ، لجماعة المحظيين ومن هم فوق المحاسبةوالقانون.

٣- إسقاط الدستور:

تأمّل المواطنون خيراً بمبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتشكيل الحكومة ، لكن الآمال تلاشت على صفيح الخطاب الطائفي والتعنّت المفتعل، والإهانات على خط التراشق بين تيار الرئيس المكلف سعد الحريري ودوائر القصر الجمهوري والتيار الوطني الحر. والحقيقة لا تكمن كما يُشاع في الخلاف على تسمية وزيرين مسيحيين، بل هي في مكان آخر يبدأ بالخلافات الشخصية، ويمر بمحاولات شد العصب الطائفي، الذي يُشكّل الملاذ الأقوى للزعامات اللبنانية، وينتهي بمشاريع الهيمنة والتدخلات الخارجية في لبنان.

فالتفسيرات المختلفة للدستور بدءاً من عملية انتخاب رئيس للجمهورية والتعطيل الذي رافقها لأكثر من سنتين ، وصولاً إلى مهلة الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس للحكومة، وإلى من يملك صلاحية تشكيل الحكومة ومعاني كلمة «بالتوافق» مع رئيس الجمهورية، وكذلك مهلة الرئيس المكلف لتقديم تشكيلته، وإلى الخلاف على صلاحية تفسير الدستور والجهة المخوّلة بذلك، إلى تفسير معنى «ضرورات الوفاق الوطني» الواردة في المادة ٩٥ حول المناصفة في الوظائف العامة، وما إذا كانت تقتصر على وظائف الفئة الأولى أم ما زالت مطلوبة في كافة وظائف الدولة. لكل هذا عنوان واحد تعطيل مؤسسات الدولة وإسقاط الدستور والقانون.

٤- إسقاط الاقتصاد والقطاع العام:

لقد شكّل لبنان طيلة المرحلة الماضية الرئة التي تتنفس منها سوريا، كما هو حال العراق بالنسبة لإيران ، طيلة فترة العقوبات. وهذا الوضع لا يتلاءم مع وجود دولة مركزية قادرة وقوية، لا في العراق ولا في لبنان. وانطلاقاً من ذلك فهناك من يريد تفكيك مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، وإغراق البلد في الفوضى. ويُشكّل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي أقصر الطرق لتنفيذ ذلك، وليس بعيداً عن هذا السياق يأتي كلام معظم المسوؤلين اللبنانيين، وفي مقدمتهم وزير الداخلية، عن التخوف من قرب انتشار الفوضى.

إنها خطة إسقاط الدولة في لبنان التي يساهم بها البعض عن سوء نية والبعض الآخر عن جهل وخدمة لمصالح وغايات شخصية. وإن الثابت حتى الآن أنه تم تدمير القطاع المصرفي الذي كان لسنوات أفضل قطاع مصرفي في الشرق الأوسط، أما اليوم فانعدمت الثقة به تماماً وبات يواجه الإفلاس، وتبعه القطاع الاستشفائي الذي فقد أكثر من ٣٥٪؜ من أفضل الأطباء العاملين فيه، ونسمع يومياً معاناة المستشفيات والمرضى، في ظل نقص التمويل والدواء والقدرة على الاستمرار.

الإدارات العامة مشلولة في ظل إضراب الموظفين، وإصرارهم على نصف دوام عمل ، بحجة تآكل رواتبهم وانقطاع مادة البنزين وجائحة كورونا وغير ذلك . والقطاع التربوي فشل هو الآخر في انقاذ نفسه، في ظل غياب خطة تربوية كاملة، وانقطاع الكهرباء والإنترنت، وتلكؤ الأساتذة ، ونقص التمويل لتأمين مستلزمات التعليم عن بُعد.

٥- إسقاط الأمن الغذائي والمؤسسات العسكرية:

وحده الجيش والمؤسسات الأمنية ما زالت صامدة وهي الآن ستواجه خطرين:

الأول : يتمثّل في الوضع الاقتصادي الذي جعل راتب الجندي يعادل أقل من ٧٠ دولاراً، وهو مبلغ لا يكفي لسد قوت عائلته، عدا عن الحاجات المعيشية الأُخرى، من إيجار منزل ونقليات وغير ذلك. هذا إضافة إلى النقص الحاصل في تأمين التغذية لعناصر الجيش، وصيانة الآليات والأسلحة، وأبسط مقومات الاستمرار، التي دفعت بقائد الجيش إلى رفع الصوت ، ومخاطبة المسؤولين بعبارة «هل تريدون الجيش أم لا»، وتأتي زياراته إلى الخارج في هذا الإطار، لتأمين الدعم الممكن لتقطيع هذه المرحلة، وليست كما حاول البعض تصويرها، بأنها بهدف سياسي يرتبط بانتخابات الرئاسة المقبلة.

أما الخطر الثاني : فهو الفوضى المتنقلة ، التي تهدف إلى إشغال الجيش وإنهاكه، مع باقي القوى الأمنية. وسيتم تشجيع اللجوء إلى الأمن المناطقي الذاتي لأطراف متعددة ، وكذلك إلى لامركزية موسّعة على كافة الأصعدة؛ الاقتصادية، والإدارية، والصحية، والتربوية، وصولاً إلى العسكرة ومؤسسات حفظ الأمن، وربما تفكيك المؤسسات الأمنية المركزية وتقليص دورها إلى أدنى حد.

المؤسف أن اللبنانيين وبعض قادتهم غير مبالين ، أو لم يتنبهوا بعد إلى خطر انحلال الدولة وتدمير مؤسساتها ، وما زالوا يتصارعون على حصص طائفية واهية، ويتلهّى المسؤولون بالتناتف على فُتات وزارة هنا وكرسي هناك ، وتملأ رؤوسهم أوهام مناصب وسلطة فقدوها منذ زمن وباتت خارج أيديهم ، وهم ليسوا أكثر من بيادق على مسرح شبه دولة متهالكة .

فمن في لبنان سيكون محمد الثاني عشر، (المعروف بأبي عبد الله الصغير )، آخر ملوك الأندلس؟ ومن ستكون والدته عائشة التي قالت له كلمتها الشهيرة «ابكِ كالنساء مُلكاً لم تُدافع عنه كالرجال» ؟؟؟؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button