سكة سد
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

عندما بدأت إزالة أحياء مدينة الكويت القديمة في الخمسينيات، اتضح للناس صغر المساحة التي كانت تشغلها تلك الأحياء. كان السير على الأقدام بين الأزقة المتعرجة يوحي بأن المساحة أكبر. كانت الكويت القديمة بأزقتها، وشوارعها الضيقة بانحناءاتها وتعرجاتها غير المنتظمة؛ بلا تخطيط يذكر، ولا سيارات تزأر، ولا تنظيم، ولا شوارع. تتداخل فيها البيوت الطين، وعندما يسقط حائط، أو دكة، يعاد البناء ليأخذ شيئاً من الطريق. وفي الطرق المتداخلة، يحدث أحياناً أن تنتهي الطرق بـ “سكة سد” (بكسر السينين)، حيث النهاية بحائط منزل. كانت السكة السد هي أسوأ ما يواجهه عابر الطريق بين الأزقة، فيضطر إلى العودة والبحث المضني عن سكة مفتوحة.

حالنا الآن هو كحال تلك “السكة السد”، وهي أسوأ من الانسداد السياسي، فصرنا كالمُنبتّ، لا درباً قطَع ولا ظهراً أبقى.

بدراسة النظام السياسي الكويتي، تتضح فيه نقاط ضعف عديدة تقلل من كفاءته، بعضها هيكلي والآخر سياسي، أهمها عدم تكافؤ موازين القوى، وسيطرة العمل الفردي، ومنها غياب محطة تتفاوض فيها الأطراف المتنازعة، حكومة كانت أو غير حكومة، فسادت تلك النزاعات منهجيةُ “المعادلة الصفرية”؛ إما القضاء على الطرف الآخر، أو رفض المشاركة.

ونظراً لـ “فائض القوة” عند الحكومة، وجدناها تغالي في استخدام ذلك النهج، فكان مثلاً تعليق الدستور في 1976 و1986 دونما داعٍ أو حاجة، فالخلاف والنزاع في المجتمعات الديموقراطية أو شبه الديموقراطية، كالحال عندنا، أمر طبيعي، لكنه يتحول إلى حائط، عندما لا يعرف المتنازعون تنظيم خلافهم، للخروج من حالة الجمود.

حالة “السكة السد” هي حالة ذهنية، تسيطر على تفكير الساسة وسلوكهم، ولن ينفع مثلاً تسلق الحائط أو القفز فوقه بالزانة، لأن ذلك سيوقعك في بيت آخر، وربما يلتهمك أهله التهاماً.

هناك مخارج من تلك الحالة بالطبع، ولعل أهمها التفاوض المباشر، وهو الأسهل والأجدى والأنجع، وربما يقوده صاحب السمو الأمير، استناداً إلى توجه بعض نواب المجلس باللجوء لسموه مؤخراً، والوصول إلى صيغة عمل قادرة على إخراج البلاد من محنتها، وإلا فسنبقى نطالع في تلك السكة المسدودة إلى ما لا نهاية، حتى تنهار على رؤوسنا جميعاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button