اللبنانيون “ينكشفون” صحياً: الأزمة لا تستثني المؤمَّنين ومرضى الجيش
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
لم تعد خافية أزمة القطاع الصحي في لبنان بكافة مجالاته. فالأدوية مفقودة من الصيدليات. والأخيرة أقفلت أبوابها اليوم، اعتراضاً على عدم تسليمها الأدوية بكميات كافية. المستشفيات صدّت مرضاها، باستثناء الحالات الطارئة منهم، وقنّنت موافقات الاستقبال تماشياً مع قرار الجهات الضامنة. وحصرت المستشفيات خدماتها بحملة الدولارات “الفريش” فقط. أما مستوردو الأدوية والمستلزمات الطبية، فمستودعات الكثير منهم مخزنة بالأدوية والمستلزمات الطبية، تنتظر موافقة مصرف لبنان على تغطيتها بالدولار المدعوم، في حين أن حياة آلاف المرضى معرّضة للخطر في ظل نقص الدواء والعلاج.
وأمام كل ذلك تقف الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارة الصحة، موقف المتفرّج، مكتفية بتسجيل بطولات موقعة باسم وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن، بمداهمة مستودع من هنا أو هناك، في حين أن نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية، سلمى عاصي، أعلنت جهاراً وبكل وقاحة في حديث تلفزيوني أن المستودعات مخزنة بالمستلزمات الطبية بسبب تأخر مصرف لبنان في دفع الفواتير المتوجبة عليه للشركات المستوردة.
ولا يقتصر التهاون مع محتكري الأدوية والمستلزمات الطبية على وزارة الصحة وحسب. بل يصل إلى القضاء المختص الذي لم يصدر عنه حكم واحد حتى اليوم. وقد لفت حسن إلى أن جرم تخزين واحتكار الأدوية والمسلتزمات الطبية يستدعي التحويل إلى القضاء الجزائي والقضاء المالي، ويجب أن تكون هناك أحكام سريعة. مطالباً مصرف لبنان بالإسراع بتسليم الفواتير إلى الوزارة. أما رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، فقالها من دون أي تغليف أو تنميق “شركات الأدوية، والمستلزمات الطبية، وحليب الأطفال، والمحروقات، والمواد الغذائية، كلها تستفيد من دعم مصرف لبنان، ومعظم أصحابها متورطون بهدر الدعم أو تهريبه أو تخزينة.. مليارات الدولارات صرفت والجميع ينكر”.
انكشاف صحي تام
هذا الوضع بات واقعاً في ظل غياب سياسة واضحة لتأمين الطبابة والاستشفاء للبنانيين، سواء المشمولين بتغطية الجهات الضامنة أو غير المشمولين، وفي ظل انهيار العملة وتصاعد سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية والذي تجاوز اليوم 15000 ليرة. والواقع المستجد يكشف جميع اللبنانيين صحياً، من بينهم المؤمّنين والمشمولين بتغطية المؤسسات الضامنة كالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والطبابة العسكرية وغيرها، باستثناء حملة الدولارات الطازجة.
بالنسبة إلى المشمولين بتغطية الضمان الاجتماعي، وهم الشريحة الأكبر على الإطلاق، ويفوق عددهم مليون و200 ألف مواطن، فباتت عملية دخول المرضى منهم إلى المستشفيات أمراً بالغ الصعوبة. فالمستشفيات ترفض دخول أي مضمون إلا في الحالات الطارئة جداً. وبعضها يرفض استقبال كافة المضمونين إلا في حالة موافقة المريض على سداد فارق الفاتورة نقداً. وآخر ضحايا المستشفيات من المضمونين كانت الطفلة ميلا (4 سنوات). وهي مريضة بالسرطان توفيت أمس، بعد تعرّضها لالتهابات حادة، ورفض عدد كبير من المستشفيات إدخالها وتأمين سرير لها، تحت ذريعة أن لا شواغر لديها.
حتى المشمولين بالطبابة العسكرية لم يُستثنوا من الأزمة. فالمستشفيات الخاصة ترفض استقبال المضمونين من قبل المؤسسة العسكرية بشكل قاطع. وآخر الحالات المرضية، المواطنة مريم (55 عاماً) وهي مشمولة بالطبابة العسكرية على اسم إبنها الجندي في الجيش اللبناني. تعرّضت أمس لنوبة مرارة ليتبيّن من الفحوص الطبية حاجتها الماسة لإجراء عملية جراحية لاستئصال المرارة. جالت مريم على عدة مستشفيات في البقاع، حيث رفضت جميعها استقبالها، قبل أن تقصد المستشفى العسكري في بيروت، حيث تم تحديد موعد لعمليتها الجراحية بعد نحو شهرين، ما أثار اعتراض مريم، لخوفها من أن تتعرّض لخطر نتيجة عدم استئصال المرارة سريعاً، فوافقت إدارة المستشفى العسكري على تأمين دخولها إلى مستشفى خاص في البقاع، شرط أن تسدد فارق الفاتورة من جيبها الخاص، باعتبار أن فواتير الجهات الضامنة تعتمد سعر صرف الدولار 1500 ليرة للدولار، في حين أن المستشفيات الخاصة تفرض سداد فواتيرها وفق سعر صرف دولار السوق السوداء.
حتى المرضى المؤمّنين بموجب بوالص تأمين خاصة، ليست حالتهم بأفضل من أولئك المشمولين بالجهات الضامنة أو الطبابة العسكرية. فمرضى التأمين تفرض عليهم المستشفيات، وبالتنسيق مع شركات التأمين، سداد فارق فواتيرهم بما يتناسب والعملة التي سددوا بها بوالصهم. بمعنى أن المريض الذي سدد ثمن بوليصة التأمين الصحي بالليرة اللبنانية، عليه سداد فارق فاتورته الصحية على سعر صرف دولار السوق. أما المريض الذي سدد وفق سعر صرف 3900 ليرة فيدفع فارق سعر الصرف. وحده من يسدد ثمن البوليصة بالدولار الفريش تتم تغطيته صحياً بالكامل، من دون سداد أي فوارق على الفاتورة.
التعرفات
وفي هذا الإطار، يجري التفاوض حالياً بين نقابة المستشفيات الخاصة وإدارات الجهات الضامنة في مسألة توحيد التعرفات الاستشفائية. وكان نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، أكد أنّ هناك مشكلة في التعرِفات الموضوعة من قبل الجهات الضامنة، خصوصاً انّ كل ما تشتريه المستشفيات يسَعّر وفق سعر الصرف في السوق الموازي، من مستلزمات مطبخية إلى أدوات التنظيف والتعقيم، وحتى المستلزمات الطبية تشتريها وفق تسعيرة السوق الموازي، لأنّ المستوردين ما عادوا يحصلون على الدعم من مصرف لبنان. مؤكداً التفاوض مع الجهات الضامنة الرسمية التي لا تزال تعمل وفق سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة، على وضع تعرفات جديدة. وأعلن انّ المفاوضات لرفع التعرفة مع الطبابة العسكرية هي الأكثر تقدماً.