كيف قضى الرئيس الهارب على الشركة واحتال على المساهمين دون أن يواجه أي عواقب؟
النشرة الدولية –
في سوق الأسهم يعتمد المستثمرون على المعلومات التي يحصلون عليها من التقارير المالية للشركات كأساس لقراراتهم الاستثمارية، بينما توجد لديهم درجة عالية من الثقة في مصداقيتها، ولكن في حين أن معظم المديرين التنفيذيين يحترمون المستثمرين ولا يحاولون خداعهم بأي شكل، توجد هناك قلة تفتقر إلى النزاهة لا تتورع عن التلاعب بالبيانات المالية للشركة وتحريفها من أجل خدمة مصالحها.
وإذا عقدت الإدارة العزم على خداع المساهمين، فلن تجد صعوبة في إيجاد أساليب وحيل تمكنها من فعل ذلك بسهولة دون أن يشعر أحد على الأقل لفترة معينة من الوقت، وفي هذا التقرير سنتابع معًا بشكل سريع قصة واحدة من الشركات التي حاولت الاحتيال على مساهميها ونجحت في ذلك قبل أن يكشف أمرها في نهاية المطاف.
أكثر جرأة من “إنرون”
رغم صغر حجمها إلا أن شركة “سيمبول تكنولوجيز” العاملة بمجال الماسحات الضوئية وتتخذ من مدينة نيويورك الأمريكية مقرًا لها تعتبر واحدة من الشركات التي تورطت في إحدى أكبر عمليات الاحتيال في السوق الأمريكي وأوسعها نطاقًا؛ فالشركة تلاعبت في كل تفصيلة تقريبًا من بياناتها المالية وهو شيء لم تفعله حتى “إنرون” التي تعتبر إلى الآن أشهر الشركات المحتالة في التاريخ الأمريكي.
كانت إدارة “سيمبول” مهووسة بعدم مخالفة توقعات محللي وول ستريت أبدًا، فلأكثر من ثماني سنوات متتالية حققت الشركة أرباحًا طابقت أو تجاوزت الأرباح المتوقعة من قبل المحللين، 32 ربعًا من النجاح المستمر الذي أخذ بلب كثير من المستثمرين وزاد من جاذبية السهم في عيونهم.
لكن هذا الأداء الثابت الذي لم يخالف التوقعات ولو لمرة كان يجب أن يثير الشك لدى المستثمرين ويدفعهم إلى إلقاء نظرة فاحصة على البيانات المالية للشركة، فحتى أعتى الشركات لا يمكنها أن تسجل نتائج تتوافق مع توقعات المحللين بهذه الاستمرارية.
كانت “سيمبول” حريصة طوال الوقت على ألا ترتفع أو تنخفض أرباحها أكثر من اللازم، ومن أجل تحقيق تلك الغاية كانت تقوم في نهاية كل ربع بإجراء عدد من التعديلات الزائفة على نتائجها المالية لكي تتوافق مع توقعات وول ستريت، حتى لو اضطرت لخلق إيرادات زائفة أو لإخفاء أخرى حقيقية من أجل إظهارها في وقت لاحق عندما تحتاج إلى ذلك.
تلاعب في كل الاتجاهات
في أواخر التسعينيات فازت الشركة بعقد كبير من وكالة “الخدمة البريدية للولايات المتحدة” مثلت قيمته نحو 11% من إيراداتها في عام 1998، وهو ما من شأنه أن يعطي أرباحها دفعة قوية في تلك الفترة تتجاوز توقعات المحللين، ولكن “سيمبول” لم تكن تريد ذلك، لم ترغب في أن يتجاوز نموها توقعات المحللين بفارق كبير، فما العمل إذًا؟
بذكاء أوجدت “سيمبول” من العدم بندًا في قائمة المصروفات أسمته رسوم إعادة الهيكلة؛ لكي تخفض على الورق قيمة إيراداتها الفعلية بالقدر الذي تحتاجه، قبل أن تحتفظ بالأموال التي اقطتعتها من الإيرادات لكي تظهرها عند الحاجة، وتحديدًا حين تنخفض إيراداتها وتحتاج إلى رفعها لتتماشى مع تقديرات المحللين.
أما حين تراجعت إيرادات “سيمبول” ولم تجد طريقة مشروعة لزيادتها، قامت الشركة بشحن منتجات إلى العملاء لم يطلبوها أصلًا لتسجلها كمبيعات، ولم تكتف بهذا بل ذهبت في بعض الأحيان إلى أبعد من ذلك، حيث باعت المنتجات إلى العملاء ثم أعادت شراءها منهم لاحقًا بسعر أعلى في حركة غريبة تسببت في خسارتها للأموال ولكنها عززت من إيراداتها على الورق.
وكانت الشركة إذا خرجت نفقاتها التشغيلية في عام من الأعوام عن نطاق السيطرة لا تعدم الحلول، بل كان هناك دائمًا حل جاهز، على سبيل المثال، في عام 2001 قامت “سيمبول” بتأجيل دفع تكاليف التأمين الواجبة عليها بحسب قانون مساهمات التأمين الفيدرالي، وهو ما ساهم في انخفاض نفقاتها بشكل مصطنع أدى إلى تضخيم دخلها التشغيلي.
وفي نفس العام، حين خافت الشركة من رد الفعل المتوقع من جانب وول ستريت إذا كشفت عن ارتفاع حساباتها المستحقة بشكل كبير، قامت الإدارة ببساطة بنقل جزء من تلك الحسابات إلى قسم آخر في الميزانية لكي تبقى مخفية بعيدًا عن أنظار المستثمرين والمحللين.
مطلوب للعدالة
كعادة كل القصص الشبيهة، كان لابد لاحتيال “سيمبول” من نهاية ولو طال الزمن، في العام 2003 اتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات “سيمبول” بارتكاب عملية احتيال واسعة النطاق على مدار الفترة ما بين عامي 1998 و2003، قبل أن يقوم الرئيس التنفيذي للشركة “تومو رازميلوفيتش” بالفرار إلى خارج الولايات المتحدة.
وتصدر “رازميلوفيتش” قائمة المطلوبين من قبل وكالة “خدمة التفتيش البريدي بالولايات المتحدة” والتي رصدت مكافأة قدرها 100 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تساهم في القبض عليه وإدانته، وحتى اليوم لا يزال رجل الأعمال السويدي هاربًا في السويد لا تطاله أيدي السلطات الأمريكية.
لكن بعيدًا عن مصير رئيس الشركة، كانت هناك الكثير من العلامات التحذيرية التي كان من المفترض أن تثير الشك لدى المستثمرين، فإلى جانب النتائج شبه الثابتة للشركة والتي لم تخالف أبدًا التوقعات على نحو مريب، أصدرت إحدى شركات البحوث الأمريكية ستة تقارير منفصلة في الفترة ما بين عامي 1999 و2001 تحذر فيها المستثمرين من الممارسات المحاسبية المريبة لـ”سيمبول”.
وللأسف لم ينتبه أحد، فلم يكلف لا المحللون ولا المساهمون أنفسهم عناء البحث والتدقيق وراء الشركة للوقوف على حقيقة ما ذهبت إليه شركة الأبحاث لأنهم كانوا يرون أن الأداء المالي للشركة أفضل ما يكون وهو ما انعكس على سعر السهم في السوق، ولكن في النهاية حدث ما تعامى عنه الجميع وتضررت الشركة كثيرًا بعد اكتشاف قضية الاحتيال قبل أن تباع في عام 2006 إلى “موتورولا” مقابل 3.9 مليار دولار.