عون وباسيل يهزمان الحريري والبرلمان والأزمة تتفاقم
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر نيوز –

 

بتاريخ ٢٠٢٠/١٠/٢٢ أجرى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة، لتسمية رئيس للحكومة، بعد أن قام بتأجيلها قرابة الشهر، أي منذ اعتذار الرئيس المكلّف السابق مصطفى أديب في ٢٠٢٠/٩/٢٦ . وكان عون يريد من التأجيل أن يدفع النواب إلى عدم تسمية سعد الحريري، وقام بتوجيه رسالة إلى النواب قبل أيام من الاستشارات، لحثّهم على ذلك، لكن المجلس النيابي سار عكس رغبة رئيس الجمهورية، فتمت تسمية الحريري باغلبية ٦٥ نائباً، مقابل امتناع ٥٣ نائباً عن تسميته وغياب نائبين عن الاستشارات .

 

أمام هذا الخلاف وضع كل من الرئيسين عون والحريري شروطهما لتأليف الحكومة، وتلطّيا خلف ما سُمّي بالمبادرة الفرنسية. فالرئيس عون وفريقه تمسكوا بتوقيعه وكلمة «بالاتفاق» الواردة في البند الرابع من المادة ٥٣ من الدستور، التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية: «يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة» وقال كلمته : تكون الحكومة بشروطي وإمّا لن أوقّع المرسوم، ولن تكون حكومة.

 

لقد كشفت المفاوضات التي جرت في الأسبوعين الأخيرين، بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والمعاون السياسي لأمين عام حزب الله الحاج حسين الخليل والمعاون السياسي لرئيس حركة أمل علي حسن خليل، أن باسيل هو من يُمسك بقرار تشكيل الحكومة، وشكّل رفض باسيل أن يُسمّي الحريري وزيرين مسيحيين، الشعرة التي قصمت ظهر البعير ومنعت تشكيل الحكومة ظاهرياً .

 

أما الرئيس المكلّف سعد الحريري فهو يتمسّك بنص المادة ٦٣ من الدستور : «رئیس مجلس الوزراء هو رئیس الحكومة، یمثلها ویتكلم باسمها، ویُعتبر مسؤولاً عن تنفیذ السیاسة العامة التي یضعها مجلس الوزراء . 2- یُجري الاستشارات النیابیة لتشكیل الحكومة، ویوقّع مع رئیس الجمهوریة مرسوم تشكیلها.» . فقدّم تشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية ، وراح ينتظر جواباً عليها .

 

كان واضحاً منذ البداية أن لا أحد يستعجل ولادة الحكومة، لا بل كلا الطرفين المعنيين، أي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ، ينتظران حدوث شيء ما، داخلياً أو خارجياً، يغيّر شروط اللعبة الحكومية . طال الانتظار وبدأت مؤخراً المفاوضات بين الخليلين وباسيل ، والتي لم تُسفر سوى عن مزيد من شروط التعطيل، فرغم إعلان عدم مشاركة التيار الوطني الحر في الحكومة، كان رئيسه جبران باسيل هو من يفاوض بدلاً من رئيس الجمهورية، في سابقة غير معهودة ، وكأنّه هو الرئيس ، وأظهره هذا الموقف بأنّه المعطّل الأول لتشكيل الحكومة.

 

شكّلت كلمةالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ، القابض على دفة الأمور في لبنان ، الخطوط العريضة للمرحلة القادمة، خصوصاً عندما قال : لا مهلة زمنية لمبادرة الرئيس نبيه بري ، ودعا حكومة تصريف الأعمال إلى القيام بواجباتها ، لأن الأزمة قد تطول . فحمل كلام السيد نصرالله إشارة واضحة، إلى فشل مساعي تشكيل الحكومة، واستمرار الأزمة الحكومية، إضافة إلى عدم رغبة الحزب في الضغط على حليفه باسيل لتسهيل تشكيل الحكومة.

 

ارتفع الآن منسوب الكلام عن قُرب اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري ، الذي بات يشعر مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، أن الحكومة ستكون أمام امتحانٍ صعب، ومُجبرة على اتخاذ قرارات غير شعبية، وإن حكومة لا يستطيع هو إدارتها، ويملك فيها باسيل قدرة على التعطيل، لن تستطيع انقاذ الوضع، بل سيدفع الحريري ثمن فشلها، على أبواب الانتخابات النيابية .

 

الجميع بات مقتنعاً أن باسيل يقبض على موافقة (عمّه)رئيس الجمهورية، ويضع توقيع مرسوم تشكيل الحكومة في جيبه، وهو لم يعد لديه شيئاً ليخسره إذا لم تتشكّل الحكومة، لذا يريدها أن تكون جسراً يُعيد إليه جزءاً مما خسره في السياسة، عبر إمساكه بالقرار الحكومي، وإلّا فلتكن معركة لَي ذراع لسعد الحريري الرافض العودة إلى التسوية معه . وهذا سيُظهر عون وباسيل بصورة البطل الذي رفض التنازل عن ما يُسمى صلاحيات الرئيس وحقوق المسيحيين، وسيشكَل ذلك انتصاراً لهما يمكن استثماره في الانتخابات المقبلة، وسيوجهان بذلك رسالة واضحة إلى أي رئيس سيكلّف بتشكيل الحكومة مستقبلاً، وكذلك إلى المجلس النيابي، مفادها : أنه لا يمكن للمجلس النيابي بعد الآن أن يُسمّي رئيسا للحكومة لا يريده رئيس الجمهورية، ولا يمكن تشكيل حكومة إِلَّا وفقاً للشروط التي يضعها فخامته ، لأنه قادر على تعطيل التأليف إلى أمد غير مسمّى، فكما لا يوجد مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، لا يوجد مهلة أيضاً لرئيس الجمهورية، لتوقيع مرسوم التشكيلة المقدّمة إليه .

 

هي في الظاهر معركة صلاحيات دستورية، لكنها في الحقيقة معركة سيطرة على القرار في لبنان، لا يقيم أحد فيها وزناً لمصلحة الشعب أو الوطن الذي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة . ورغم عدم حسم خيار إجراء الانتخابات النيابية بعد، فلقد بات من شبه المؤكد أنه سيتم تأجيل الانتخابات البلدية، ولذا يبدو أن خيار تطييف الأزمة والخلافات، وُضع في أولويات الجميع، استعداداً للانتخابات النيابية المحتملة، أكانت في موعدها العام القادم أو بعد ذلك لا فرق، فوحده الخطاب الطائفي يمكن أن يعيد القوى والأحزاب السياسية الحالية إلى البرلمان، وإن بتفاوت طفيف في الأحجام. لذلك لا بد من اختلاق المعارك الطائفية، والانتصارات الوهمية لشعارات الصلاحيات والدفاع عن حقوق الطوائف، وإذا لزم الأمر، ستكون معارك مضرّجة بالدم، يدفع فيها الشعب الضريبة مرتين ؛ مرة من أمنه واستقراره ودم أبنائه، ومرة أُخرى من اقتصاده وماله ولقمة عيشه ومستقبله، وكما في كل مرة سيربح المسؤولون ويخسر الشعب والوطن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button