الظلم المؤسسي.. ظلمات
النشرة الدولية –
القبس الكويتية –
ما شعورك لو لم يكن لديك عم أو خال؟
ربما لن يعني لك ذلك الكثير، حتى لو لم يكن هناك أبناء أو بنات عمومة أو خؤولة. ولكن ماذا لو لم تعرف يوماً جدك ولم تلتق قط بجدتك؟
وماذا لو كنت وحيداً فلا إخوة ولا أخوات؟ هنا تصبح المسألة مقلقة.
وماذا لو لم تعرف يوماً والدك، ولم تسمع صوت أمك، أو تعرف اسمها أو شكلها؟ هنا تصبح المسألة بحكم الكارثة النفسية ومصيبة عظيمة.
هذ هو بالضبط وضع وشعور المنتمين لفئة «مجهولي الأبوين»، الذين يفتقدون كل هذه الصلات الإنسانية والأمان العاطفي والبعد الأسري الضروري لسعادة الإنسان.
***
ليس صعباً التقليل من مشاعر الحيرة والألم التي تكتنف أفئدة المنتمين إلى هذه الفئة، لو كان المجتمع، أو بالأحرى قوانينه، ورأي الآخرين في مجهولي الأبوين أكثر رحمة وتفهماً، كما هو الحال في الدول المتقدمة، حيث نجد أن وضعهم لم يشكل يوماً عائقاً لوصولهم إلى قيادة دول ونجاحهم الكبير في أعمالهم. ولكن مجتمعاتنا ظالمة، وقلوب الغالبية لا تعرف الرحمة اتجاه أبناء هذه الفئة وبناتها، وغالباً بسبب نصوص تتعلق بكيفية التعامل معهم.
***
الكويت، كغيرها من الدول العربية والإسلامية، مع استثناءات قليلة، لا تسمح قوانينها بتبنّي الطفل اللقيط، ولا يجوز تثبيت نسبه، لمن تبناه، أو أن يرثه. وعندما يتوفى، من دون أبناء أو زوجة، تذهب تركته للدولة. كما أن بعض الدول لا تقوم حتى بقيده في سجلاتّ الجنسية، فهل هناك ظلم أقسى ووضع أكثر مأساوية؟
***
لا ينظر مسؤولو الشؤون إلى أبناء هذ الفئة من إناث وذكور، الذين يقارب عددهم الثمانمئة نظرة عطف واحترام، بل يعتبرونهم عبئاً. ولهذا تتشدد وزارة الشؤون في قبول طلبات التبني، وهذا يسهم في تعقيد وضع هؤلاء، وقضائهم زهرة طفولتهم وما بعد ذلك بكثير، في «بيوت الشؤون»، التي تفتقد متطلبات تنشئة هؤلاء في بيئة صحية، فيكبرون وتكبر معهم عقدهم النفسية، ويصبحون مع الوقت عبئاً على المجتمع. ودفعت زيادة مشكلاتهم وإدمان بعضهم الوزارة إلى إجبارهم على ترك مساكنها، من خلال قطع الكهرباء وبقية الخدمات عنها، ولكن بعضهم رفض الخروج بسبب تدني مداخيلهم الشهرية التي لا تسمح لهم، وخاصة الفتيات، بالحصول على سكن مناسب ومستقل.
***
في مقابلة مع وكيل وزارة سابق، ذكر أن الشؤون تقوم بتوفير الكثير لمجهولي الأبوين، ولا تقوم بمثله أية دولة في العالم (!) وهذه مبالغة فجة، فقضية هؤلاء ليست مادية، لكي يفتخر بالتسهيلات المادية، فهم بحاجة إلى معاملة إنسانية واجتماعية منصفة وإلى بيئة طبيعية يكبرون بها أكثر من حاجتهم إلى شقة أو إلى قيام الوزارة بتزويجهم أو إيجاد وظائف لهم، وما قاله من كلام معيب عن أبناء هذه الفئة لا يجوز ذكره في هذا المقال، وكأن هؤلاء لا يشاهدون التلفزيون، ولا مشاعر لديهم يمكن أن تجرح! كما بيّن كلامه مدى تدني مستوى المسؤولين عن هذه الفئة المظلومة.
إن الأمر يتطلب تغيير سياسة الوزارة اتجاه هذه الفئة، والاستعانة بتجارب الدول الأخرى، والإسراع في عملية انصهارهم في المجتمع من خلال تسهيل إجراءات التبني، واتباع الأساليب الإنسانية في ذلك بدلاً من الالتزام الصارم بالنصوص الدينية، فمن المفترض أن رسالات الأنبياء تصب في صالح البشر ورفاهيتهم، وليس في سرقة أموال هؤلاء لبناء متاحف لهم، فهل فهمتم؟