الإستعمار الجديد “قاتل أنيق” .. يغوص في أعماق الدول
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
استقلال تحتفل به الدول العربية أم استعمار جديد يغوص للأعماق في السيطرة على مقدرات الدول الإقتصادية ويحكم ويتحكم بقرارها السياسي، وربما الأمرين معاً لنجد أن الإقتصاد العربي مرهون للقرار الإستعماري فيما السياسي مكبل اليدين، فالنفط يتم استخراجه بقرار غربي وحتى المياة التي تعتبر عصب الحياة، قرارها محكوم باتفاقيات تحدد ما تستخرجه الدول من أراضيها وما يصلها من الأنهار، ويثقرر ما تعطي لأعداء الأمة على أن يكون أكثر من حصتها، فيما عليها أن تلتزم بالبيع والشراء بالتجارة الخارجية بالدولار الذي يعادل خمسة بالمئة من قيمته الحقيقية، وبالتالي فإن خسارة العرب بالتعامل بالدولار تبلغ تسعة عشر ضعفاً، ونحن نستكين ونصمت بل كافئنا المستعمر بربط البرتول بالدولار، لنزيد من قوة المحتل السياسي والعسكري والإقتصادي بالبترودولار ونزيد من ضعفنا وهواننا.
الغريب في الأمر ان الإستعمار القديم جاء بالإكراه لحكم الشعوب والدول بالحديد والنار ونهب مقدراتها وخيراتها، ليكون الرد بحمل الأحرار في الدول العربية للسلاح للدفاع عن أرضهم وعرضهم وممتلكاتهم، وهو ما ألحق خسائر كبيرة بالمحتلين الذين غادروا من الباب الأمامي، وعادوا من الباب الخلفي للسيطرة على البلاد باستعمار جديد دخل علينا بألف وجه ووجه، وأصبح من يعاديه عدو للدول العربية ذاتها، ومن يرفضه كمن خرج عن الجماعة، فالإستعمار أصبح أكثر نعومة في المظهر وأشد قسوة في الفعل والتحكم، والإستعمار بعد أن كان معروفاً أصبح غير مرئي لكن الإحساس به قاتل، والإستعمار الجديد ترك البندقية والمدفع وحمل القلم في الإعلام والحسابات، والمتسعمر الجديد دخل علينا بالملابس الأنيقة والعطور الفاخرة خالعاً لباس الحرب الذي تصاحبه رائحة الغبار والعرق.
تغيرت الصورة وأصبحت أجمل من سابقتها في الظاهر وأسوء بكثير من الأيام الماضية، كوننا أصبحنا نجهل صورة عدونا، فالمستعمر تخيلوا “المستعمر نعم وأكررها المستعمر” يدافع عن الحريات التي يرفضها حكام البلاد من أبناء جلدتها، والغريب أن المستعمر يدعوا إلى التبادل السلمي للسلطة، وهذا أمر مُحرم عربياً ويُعتبر خروج عن الحاكم وولي الأمر وتصل عقوبته حد الموت، والمُضحك المُبكي أن المستعمر يدعوا إلى حرية التعبير فيما أذرع الحكومات العربية تكمم الأفواه، وفي النهاية نجد أن الشعوب هي التي تدفع الثمن بقضاء عدد من ابنائها حياتهم في السجون فيما الغالبية من أبنائها يعيشون تحت خط الفقر، فيما تكون العلاقات بين غالبية الحكومات العربية والمستعمرين “سمن على عسل”، بل يتقاسمون المغانم والغنائم التي تخرج من أراضي العرب الغنية بالنفط والغاز والذهب واليورانيوم، وقد يكون الثمن البقاء في السلطة مقابل التخلي عن الثروات.
وفي ظل هذه الظروف العربية المؤلمة يتسائل الكثيرون، هل استقلت الدول العربية أم أصبحت تحت إدارة استعمار إقتصادي أقوى يقوده البنك الدولي الذي سيطر وتحكم بالثروات العربية؟، وتحت إدارة سياسية تقودها الأمم المتحدة وبالذات قوتها الضاربة مجلس الأمن الظالم والذي لا يعترف إلا بلغة القوة، كون قرارته المجحفة أعادت العراق إلى ما قبل التاريخ، وحولت البلد الغني إلى دولة فقيرة تعاني من تخمة في اللصوص الذين تدافع عنهم الدول القاتلة للعراق، فيما لا تستطيع أن تُطبق قرار واحد بحق الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة واوربا، ليظهر أنها نمر من ورق تستقوي على الضعفاء، وفي العالم حالياً لا يوجد اضعف من الدول العربية التي تمتلك اسلحة بمئات المليارات من الدولارات.
الحل ليس إعجازياً وليس من ضمن المستحيلات الثلاث، بل هو حل سهل إذا ما عدنا للخلف بتوزيع العالم العربي كما كان إلى ثلاثة أجزاء تعمل بشكل متكامل، ونلغى الحدود الوهمية التي خلفها سايس وبيكو، فلدينا الخليج العربي المكون من “السعودية، العراق، قطر، البحرين، عمان، اليمن، الإمارات والكويت”، وفي بلاد الشام تتواجد “سوريا ولبنان والأردن وفلسطين”، وفي إفريقيا “مصر، السودان، ليبيا، تونس، المغرب، موريتنانيا، الصومال والجزائر”، ولكل من هذه الأقاليم قوى إقتصادية تختلف عن الأخرى، وهذا ما يصنع التكامل الإقتصادي الغذائي والايدي العاملة بين جميع الدول إضافة للقوى العسكرية المشتركة، لكن هل هناك من يرضى بآلية العمل الجماعية أم ان علينا أن ننتظر القرار من الدول الغربية؟، اعتقد ان الإجابة على هذا السؤال تحدد ما إذا استقلت الدول العربية أم أنها لا زالت تقبع تحت ظل الإستعمار.