بعد لقاء بايدن وبوتين… هل يكون للقمة الأمريكية الروسية بجنيف تداعيات مؤثرة على الأزمة السورية؟
بقلم: د. دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
تمثل قمة جنيف التى عقدت مؤخرا بين الزعيمين بايدن وبوتين أهمية كبري من حيث الرمزية؛ فهي تضع روسيا في نفس التصنيف مع الولايات المتحدة الامريكية، وبالنسبة للرئيس الروسي بوتين فإن الرمزية ليست بالأمر الهين أو غير المهم. يأتي اللقاء في وقت مبكر من تسلم بايدن مهام إدارة البيت الأبيض، وفي أول رحلة خارجية له وبناءً على طلبه (جميع النقاط تصب في صالح الكرملين)، كما أن هذه القمة القوية ليست مجرد لقاء قصير بين رئيسين ملحق بحدث آخر فحسب، بل قمة كاملة تغطي مجموعة من القضايا الملحة، وعلى الرغم من جدول الأعمال المزدحم، بما في ذلك الاجتماعات في مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، إلا أنه ثمة اهتمام خاص بمحطة جو بايدن الأخيرة في رحلته الأوروبية وجها لوجه مع فلاديمير بوتين.
إذا تحدثنا عن اللقاء فى مرحلة ما قبل انعقاده نري انه يات اللقاء فى أجواء ليست ودية بين البلدين، فقد أدرجت روسيا مؤخراً الولايات المتحدة على قائمتها الرسمية لـ “الدول غير الصديقة”.
ويصف كلا الرئيسين بايدن وبوتين العلاقات بينهما بأنها في الحضيض، وليس لديهما تمثيل دبلوماسي على مستوى السفراء حاليا، كما يخضع كبار المسؤولين الروس لعقوبات أمريكية لأسباب عدة، بدءاً من ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي، وصولا إلى التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، كما يوجد حالياً اثنان من مشاة البحرية الأمريكية السابقين في السجون الروسية، أحدهما أدين بالتجسس وسيقضي عقوبة السجن لمدة 16 عاماً، علاوة على كل ذلك، حدث أن وصف بايدن، أثناء حوار له، نظيره الروسي بوتين بأنه “قاتل”. ورغم كل هذا التوتر الحاصل بين الرئيسين من المقرر أن يلتقي الرجلان بصفتهما رئيسين للمرة الأولى، ويرى البعض في روسيا أن لقاءهما هو إنجاز بحد ذاته.
هل تسفر قمة بايدن وبوتين عن إبرام صفقة بشأن سوريا؟
القمة التي عقدت بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف بسويسرا، تمثل الظرف الأمثل لواشنطن لإبرام صفقة بشأن سوريا. إن موافقة بايدن على عقد القمة يمثل استجابة لغرور روسيا، وهو أمر يمكن أن يمهد الطريق للانخراط الأميركي الروسي في سوريا بما يتجاوز المحادثات على المستوى الوزاري التي كانت تجري خلف الأبواب المغلقة. إن واشنطن وحدها تستطيع توجيه الصراع السوري نحو الحل، إذا عززت المحادثات الثنائية مع موسكو.
“احتمال الاتفاق على تسوية” رغم توتر العلاقات الأميركية الروسية على عدة جبهات، وعلى الرغم من الانحياز إلى أطراف متعارضة في الصراع السوري، فإن هناك احتمالا لتسوية أميركية روسية. ولتحقيق ذلك، أشير إلى ضرورة اتباع واشنطن نهج العصا والجزرة الذي يستفيد من نقاط ضعف روسيا، وكذلك من تلك الرغبات الروسية التي لا تضر بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة. روسيا لم تأخذ أبدا عملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة على محمل الجد، لأنه لم يكن هناك ضغط سياسي أو عسكري كبير على موسكو لإجبارها على تقديم تنازلات.
“دبلوماسية الغرب ساعدت موسكو” كما ساعد فك الارتباط الدبلوماسي الغربي عن سوريا على مدى العقد الماضي روسيا، بالشعور بالجرأة تجاه نهجها، كما فعلت الدلائل الأخيرة على إعادة فتح السفارات الأوروبية والعربية في دمشق وإعادة انتخاب الأسد كرئيس لسوريا في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يدعو لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة. أن إدارة بايدن يمكنها تغيير هذا الوضع، إذ من المرجح أن تقبل روسيا التضحية برئاسة الأسد، ولكن فقط مقابل الاعتراف بوضعها الجيوسياسي واستمرار نفوذها السياسي والعسكري في سوريا.
“بديل للأسد” إن أي صفقة من هذا القبيل يجب أن تنص على تشكيل بديل سياسي وعسكري واقتصادي شرعي لنظام الأسد. ويستلزم هذا قبول روسيا بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا تتألف من عناصر من النظام الحالي، لكن من خارج عائلة الأسد، وعناصر من مجموعات معارضة مختلفة ومن المجتمع المدني. إن إبرام صفقة لا يعني الإذعان لرغبات روسيا، فهناك نوعان من أدوات النفوذ التي يمكن لواشنطن استخدامها للضغط على موسكو لقبول الصفقة، أحدهما أن تتمسك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالموقف القائل إن العقوبات الاقتصادية، التي تعطل عملية إعادة الإعمار في سوريا، لن تُرفع قبل حدوث الانتقال السياسي، ويجب على واشنطن الحفاظ على هذا الموقف حتى توافق موسكو على شروط قرار مجلس الأمن رقم 2254، علما بأن روسيا حريصة على تدفق أموال إعادة الإعمار الدولية إلى سوريا لأنها نصبت نفسها كوسيط في هذا السيناريو، مع تخصيص الشركات الروسية للاستفادة من هذا الدخل.
“ملف محاسبة روسيا” يمكن للولايات المتحدة -بالنوع الثاني من أدوات النفوذ-تحريك ملف محاسبة روسيا على أفعالها في سوريا، بما في ذلك الهجمات على أهداف مدنية ومنشآت طبية، حيث اتخذت موسكو سوريا ساحة لاختبار أسلحتها، وقد وثّقت ذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية وأدانته. يجب ألا تضيع إدارة بايدن الفرصة التي تتيحها القمة الأميركية الروسية بشأن سوريا، لأنه كلما مر الوقت، زادت روسيا من جذب الدول الأخرى لتطبيع علاقاتها مع الأسد، وأصبحت سوريا بالتالي أداة لزيادة نفوذ روسيا في المنطقة وخارجها.
تتعدد المواضيع، التي يبحثها الرئيسان الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما في مدينة جنيف السويسرية. ولكن الملف العربي الوحيد، الذي يحضر على الطاولة هو الأزمة السورية، فهناك قضايا أخرى ترتبط بالمنطقة بصورة قريبة أو بعيدة، لكنها لا تخص دولة عربية بعينها، كما هو حال سوريا. لن يكون الوضع في سوريا على رأس عناوين القمة، ولكن طاولة الحوار لن تكتمل دونها، فهناك حاجة لتسوية الأزمة تمس الروس أكثر من الأمريكيين حتى الآن، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الرئيس الروسي سيذهب إلى جنيف مترجيًا لأي حل دون أي مقابل أو منفعة لبلاده. لا نذيع سرًّا بالقول إن هذا البلد المتوسطي صار علامة للوجود الروسي في قلب الشرق الأوسط، وهذه تجربة لا تُفضّل الولايات المتحدة تكرارها في أي مكان آخر يعد منطقة نفوذ لها في القارتين الأفريقية والآسيوية. لم تنته الحرب الباردة بعد، واللغة، التي تتمسك بها الولايات المتحدة وأوروبا في التعامل مع روسيا، تقول إن القلق الغربي من الدب الروسي لم يتبدد ولو قليلاً مع تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو قلق له ما يبرره إذا استُدعيت أحداثٌ مثل ضم القرم في أوكرانيا، وشراء تركيا لمنظومة صواريخ (إس 400) الروسية. النفوذ الروسي في سوريا يختصر كل شيء، يرتبط بأحلام الروس، وإن كان قرار مشاركتهم في الأحداث السورية عام 2015 جاء بضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. كل ما تلا ذلك التاريخ لم يقع على الولايات المتحدة بردا وسلاما كما يُقال.
اذا تطرقنا لمجريات القمة وما بعدها بحسب ما تداولته وسائل الإعلام نجد ان بايدن حذر بوتين وناقش ملفات سوريا وإيران والهجمات السيبرانية ” بايدن أشار إلى أن اللقاء مع بوتين كان إيجابيا وشمل مناقشة ملفات مهمة بين البلدين، وصرح الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنه حذر نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، من “عواقب مدمرة على روسيا” في حال وفاة المعارض، أليكسي نافالني، معتبرا أن مقارنة ما يجري في روسيا من معارضة مع الهجوم على الكابيتول، أمر “سخيف”، لكنه أشار إلى “أربع ساعات من الحوار كانت إيجابية”. وصرح بايدن في مؤتمر صحفي عقب القمة التي جمعته مع بوتين في جنيف، الأربعاء، أن سبب انتهاء القمة في وقت أقصر مما كان معدا له في برنامج اللقاء، هو أن الحوار كان مباشرا على الطاولة، ولم تكن هناك حاجة إلى المزيد من الوقت، ” تحدثنا لمدة ساعتين بالتفصيل ولم نحتج لوقت أطول”.
وصرح بايدن لقد “فعلت ما جئت لفعله”، وأن بوتين “اقتبس أقوالا من والدتي”. وأضاف أن بوتين “قلق من أننا سنحاول الإطاحة به”، مبينا أنه ” ليست من مصلحة أحد الدخول في حرب باردة، لا أعتقد أن بوتين يريد حربا باردة الآن”. وأشار بايدن إلى أنه أبلغ بوتين بأن واشنطن “سترد بالمثل على أي أعمال تضر مصالحها أو مصالح شركائها”. وأبلغ بوتين بأن “المسألة ليست ملاحقة روسيا، ولكننا نتحدث عن مبادئنا في الدفاع عن الحريات الأساسية”. قال بايدن إن نظيره الروسي أجرى مقارنة خاطئة و”سخيفة” بين هجوم “مجرمين” على مبنى الكابيتول وبين التظاهرات السلمية في روسيا لأناس حرموا من حرية التعبير.
وفي اللقاء الذي وصفه بالصريح، أكد بايدن أنه تطرق لقضية المعارض الروسي، ألكسي نافالني، مشيرا إلى أن إدارته ستستمر في إثارة قضايا حقوق الإنسان. وتابع الرئيس الأميركي أن “الهدف كان التواصل مباشرة، وأكدت أن الولايات المتحدة سترد إذا تم الإضرار بأمنها أو أمن حلفائها”. وشهد اللقاء مناقشة بالتفصيل لخفض الأسلحة والأمن السيبراني، وفق ما كشف بايدن في مؤتمره الصحفي، موضحا أنه قال لبوتين إن الولايات “لن تتسامح مع محاولات خرق سيادتنا الديمقراطية”. وقال بايدن إنه حذر بوتين بـ “عدم التسامح” مع التدخل في الانتخابات الأميركية. وكشف الرئيس الأميركي أن اللقاء شهد مناقشة الملف السوري وملف إيران النووي، إذ أوضح بايدن أنه تحدث مع بوتين عن ضرورة “فتح ممر إنساني في سوريا”. كما أكد بايدن أنه من الضروري التأكد من أن إيران “لن تحصل على سلاح نووي”، موضحا أن الرئيس الروسي “عرض المساعدة في ملفي إيران وأفغانستان”. ووصف بايدن أجواء الاجتماع مع الرئيس الروسي بأنها كانت “جيدة وإيجابية”، مؤكدا أنه “تمت الموافقة على اتباع الديمقراطية فيما يختص باتفاق مينسك”. صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأربعاء، إنه “يفهم جيدا ما يتكلم عنه الأميركيون، وماذا يعنون بالخطوط الحمراء”، رافضا مسؤولية موسكو عن الهجمات السيبرانية، موجها اللوم لواشنطن والدول الغربية التي اعتبرت روسيا “عدوا”، لكنه أشار إلى “لمحة ثقة” بين الطرفين. وانتهت أعمال القمة التي جمعت بايدن وبوتين في جنيف بسويسرا، “بعد ثلاث ساعات و21 دقيقة من المحادثات”، وصرح بايدن في مستهل قمته مع بوتين إن “اللقاء المباشر أفضل دائما”. فيما علق بوتين بأنه يأمل أن يكون اللقاء “مثمرا”. وظهر الرئيسان بوتين وبايدن أمام قصر لا غرانج يتوسطهما الرئيس السويسري، جاي بارميلين، الذي أعرب عن أمله أن تسهم القمة في إيجاد أرضية للتفاهم من أجل تحقيق مصالح لعالم.
باحثة وأكاديمية اردنية… باحثة في الشؤون السياسية والقانونية والبرلمانية والشأن الفلسطيني والأمريكي