العودة إلى الوراء
بقلم: أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

جلسة جميلة، استطاعت من خلالها السيدة نجيّة البدر الاحد الماضي أن تعيدنا سنوات إلى الوراء، وتعيد إحياء ذكريات ثانوية المنصورية التي كانت ناظرتها، وتحيي مشاعر جميلة عشناها في ذاك الوقت من الزمن.

لم تكن سنوات الدراسة الثانوية مجرد كراسات وطباشير ومريول، وتحفيظ دروس ثم اختبار، كانت تنشئة وتربية وصقل مهارات واحتضان لمواهب.

وأنا أجالس زميلات الثانوية، برفقة الناظرة الست نجية، تذكرت كم كنا جيلاً محظوظاً، وكم تعثرت حظوظ الأجيال التي جاءت بعدنا.

ففترة الثانوية التي تعتبر المرحلة الأهم، التي تشد خلالها الطفولة والمراهقة الرحال، وتبدأ مرحلة النضج الفاصل بين المدرسة والجامعة، هذه المرحلة الأهم التي تصقل شخصية الفتاة، وحتى الشاب، أدركنا أهميتها اليوم بعد أن كانت تلك المرحلة الجميلة من حياتنا فرصة لأن نصقل شخصياتنا وننمي مهاراتنا ونخرج إبداعاتنا، والتي استمرت آثارها معنا الى اليوم.

وكم بالفعل كان الفكر النيّر نبراساً استطاع ان يدير ذاك الجيل بجدارة ويصنع منه ناجحين ومبدعين في شتى المجالات.

استذكرت كيف كانت التربية تسبق التعليم دائماً، وكيف توفر لنا الحظ بأن نتمتع بتدريس نخبة النخبة من المدرسين حتى أولئك القادمين من دول عربية.

تذكرت، ساعات فراغنا التي كنا نقضيها في ساحات المدرسة بجمعات صديقات، نتبادل أطراف الحديث وتجالسنا أحياناً المدرسات، والإداريات في المدرسة، من دون حاجز بل كمربيات فعلياً، لنشعر بقربهن، واحترامهن وكيف استطعن ان يرسّخن في أذهاننا، نحن اللواتي لم نتجاوز السابعة عشرة بعد، ليمثلن معنى القدوة الحقيقي.

وكيف كانت التنشئة، وصقل المهارات، بحصص موسيقى فعلية، ليست لسد الفراغ فقط، وأنشطة رياضية مختلفة، حتى انني اليوم ان قلت لإحدى بنات الجيل الحالي ان ثانويتي كانت حصص «باليه» ونشاط «باليه مائي» ربما لن تصدقني!

واستذكرت كيف كنا بالفعل نتعلم، تعليماً حقيقياً، دون ان نفكر كيف نستطيع التملص من الاختبار، وكيف كانت لدينا حصص لمواد تدريسية مختلفة، بنظام المقررات، استطاعت المدرسة من خلالها ان تكتشف مهارة في كل طالبة، فمن لم تكن جيدة في الرياضيات، وجدت ميولها في العلوم او ربما في التربية الصناعية او حتى التربية الفنية.

وأنا أستجمع مشاهد جميلة من أيام الثانوية، أيقنت أن العقول التي كانت تدير وزارة التربية، كانت مهتمة بالعناصر الثلاثة لتنشئة جيل مميز، وهي التربية، التعليم، وتنمية المهارات.

وكم تحسرت، على أجيالنا اللاحقة التي لم تحظ بذات الاهتمام، فبالرغم من أن الكويت دولة فتية، بمعنى أنها غنية جداً بشبابها، الذين يشكلون نحو %70 من مواطنيها، فإنها تناست ضرورة رعايتهم الرعاية الصحيحة، وتراجعت بمستوى تعليمهم وتربيتهم.

تحسرت على واقع المدارس اليوم، وخاصة الحكومية، التي بالكاد تستطيع ان تحفّظ الطلبة بعض الدروس، بينما لا حضور أبداً لأي جوانب تربوية أخرى، في غياب للبيئة المدرسية السليمة التي كنا محظوظين لنعيشها.

وتمنيت أن تحظى بناتنا اليوم، بذات المستوى من مدرساتنا الفاضلات، اللواتي قدن تعليمنا وتربيتنا بجدارة، بينما اليوم، وللاسف، أصبحنا دولة غير جاذبة للنخب من المعلمين العرب، بل وحتى لم نستطع ان ندير كوادرنا البشرية الوطنية بعناية ليسدوا حاجة وزارة التربية من المعلمين.

وتألمت اننا بدل ان نتطور تدهورنا، وبدل ان نأمل بمستقبل افضل، نأمل ان نعود للوراء، فماضينا كان يسبق حاضرنا بأزمنة، ولنتلاحق الأمر قبل أن يستمر التدهور ويصبح مستقبلنا أسوأ من حاضرنا، فليتنا نعيش الماضي مستقبلاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى