الفرصة الأخيرة
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

تعددت الفرص الضائعة لبناء دولة المؤسسات والقانون في الأردن، وكنا نعتقد أن العقلاء وأصحاب الفكر الراشد سيستغلون هذه الفرص التي لن تتكرر، لكن الحكومات وأصحاب القرار أهدروا الفرصة تلو الأخرى ليجد الشعب الأردني نفسه على حافة الهاوية، فإما السقوط والإنزلاق صوب خريف دموي يجعل الإخوة يقتتلون لزيادة نفوذ آخرين لا يأبهون بمستقبل الأردن بقدر اهتمامهم بزيادة أرصدتهم البنكية، وإما العودة إلى نقطة البداية وتحكيم الدستور الحكيم الذي وُجِدَ لحماية الحقوق وبناء الدولة الحديثة والحفاظ على حقوق الشعب بشكل متساوي وعادل.

 

لقد انتشر الفساد وزاد في توسعه من عام لآخر ، وأصبح الاردن يحتل مركزاً متقدما على سلم الفساد العالمي، فلا مشاريع ولا تنمية فيما البطالة تنتشر كما النار في الهشيم والمديونية تتصاعد بسرعة الصاروخ،  وتحول الأردن من دولة منتجة إلى دولة ضرائب تنزع لحم الشعب عن عظمه، كما جاء الأردن في مركز متأخرا في ترتيب الشفافية والحريات وحقوق الإنسان في ظل الضغط الذي تفرضه أذرع الدولة من حكومات ونواب وأعيان وإعلام مريض على المواطنين والنُشطاء والإعلام الحُر حتى يصمتوا، فتم تكميم الأفواه بفعل قوة قوانين تم اختلاقها لنصرة الفساد والفاسدين ليرتفع عدد معتقلي الرأي والجرائم الإلكترونية، ليشعر المواطن البسيط أن حُلم العدالة الإجتماعية أصبح مصاحباً لأحلام الغولة والعنقاء والخل الوفي غير قابل للتطبيق ولا حتى الظهور في الأحلام، لتتكدس الأموال في أرصدة المتنفذين الذين نهبوا كل ما يتحرك وثابت على الأراضي الأردنية.

 

وظننا وبعض الظن إثم ان الربيع العربي الذي مر على الأردن كانفلونزا خفيفة كان كافياً لإشعال جذوة التغيير عند أصحاب القرار، وشعرنا بأن دكة الموتى قد تحركت بعد طول غياب لكنها عادت لمكانها الطبيعي في مقبرة النهضة المتوقفة والتغيير الوهمي والحريات الخادعة، مما حول الربيع إلى خريف بلا أمل وربما صقيع  بلا روح جفف الدماء لدى الأردنيين، حتى عاد الناقوس يقرع من جديد لتدب الحياة  والحركة في الجثث المتحنطة على كراسي الدولة للحراك من جديد، ليتم إنشاء لجنة لتحديث المنظومة السياسية غاب عنها أبرز رموز العمل السياسي في الاردن ومنهم   ليث الشبيلات، خالد الكركي، موفق محادين، توجان فيصل، رولا الحروب، أحمد عويدي، هند الفايز، سفيان التل وناصر النواصرة، ليستفيق الكثيرون من غفوتهم ويبدأون  بالخوض في لجنة يرفض عدد كبير من أعضائها الإستماع للرأي الآخر، ويعتبرون هذا الأمر جريمة بحق عبقريتهم التي أعادتنا للقهقرى سنوات طوال،  ولا يملكون القدرة على تطوير المنظومة كونهم لا يملكون الفكر، ورغم غياب الشخصيات الهامة نقول انها الفرصة الأخيرة، لذا كان على صاحب القرار اختيار شخصيات وازنة وتملك الموروث الفكري في النهضة والحرية، والمصيبة أن مستقبل الأردن أصبح بيد بعض الأشخاص الذين تعاملوا من وجودهم في لجنة الأمل والحلم كرد اعتبار لمكانتهم الإجتماعية والسياسية الضائعة في المجتمع، مما يجعلنا نعتقد بأنهم سيضيعون المستقبل كما أضاعوا الحاضر.

 

هي الفرصة الأخيرة فهل يعلم أعضاء اللجنة ذلك؟، وهل يعلمون أن وظيفتهم في غاية الصعوبة وتحتاج للرجال الثقات؟، وهل يدركون أن الملك قد وثق بهم لصناعة المستقبل وإن فشلوا فسيدفع الجميع الثمن، فالقبضة الأمنية لن تبقى السيف المُسلط على الرقاب لحماية الوطن “كما يصفون” في ظل انفتاح عالمي ومطالب أمريكية بالحريات والديموقراطية الحقيقية، وهذه مصطلحات مرفوضة في العالم العربي القائم على النظام “البوليسي”، لذا فلا عودة عن تعديل النهج السياسي السائد والذي تسبب في ظُلم ملايين الأردنيين وقزم الوطن العزيز من وطن كبير إلى مزرعة خاصة،  فهل اللجنة على مستوى الأمانة أم أنها مجرد كذبة جديدة ستتمخض عن تكريس الظلم والقهر، وتتعامل مع الحريات والديموقراطية على أنها إضافة جمالية على صدر الحكومات الديكتاتورية، والتي تتفنن بقهر الشعب وتتنقل به من الجوع للبطالة لتكميم الأفواه ثم الموت قهراً على وطن عشقوه فالبحث عن قبر قد لا يجدوه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى