طوابير “شرقاً،غرباً ولبنانيا !!”
بقلم: فلك مصطفى الرافعي
النشرة الدولية –
الشراع –
عنوان المقال هو إستحضار “لخبريات” سمعتها من سيّدي الوالد ومن بعض اقاربي ، وحين ارتطامها بمسامعي ما كنت متخيّلة ذلك إلاّ في اسطورة قديمة من العصور البدائية، إذ قبلاً كنّا نسمع عن مجاعة و نحن على إمتلاء وبحبوحة ونعيم ورغيد العيش الكريم …
خبرية اولى :
القصة الاولى عن بلد في اوروبا الشرقية ايام شظف العيش ،دخلها الراوي فجرا عند تنفّس الصباح ..كان الضوء خافتا “رومانسية الفقر ” والرذاذ يرطّب الوجه والثياب كالندى و الطّل ففاجأه طابور كبير امام متجر خشبي متواضع ،فأخذه حُب الإستطلاع و التحق بالرَكب الطابوري حتى وصل بعد لأي ٍ وجهد بعد فجر طويل المدى …. وبعد الوصول تملكته الدهشة والإستغراب لتمكّنه اخيرا من شراء ” بيضة مختومة واحدة ” هي حصة كل واحد في فريق الرَتل الممتد نحو الغابة الكبيرة التي تحجب اغصانها ” غصّة الذُل “….. هذا قبل إنتفاضة بعض الشعوب على نظام ” الرغيف الواحد “…شعوب عاشت بهوان وركون واستسلام حتى إكتمال برعم التمرّد ……كان الجمع حينها على صمتٍ مريب وصبر نادر والوجوه خشبيّة الملامح وتجاعيد محفورة بأنامل أزميل حاكم صلب……
توقيع المشهد والمكان : مدينة زغرب اليوغسلافيّة قبل تفكّك الاتحاد السوفياتي وتغيير إسم بلد الرئيس تيتو ..
المشهد / الطابور الثاني :
الطابور مرتبط بالأول زمنياً حيث دخل الراوي عاصمة اوروبية غربية، فصادفه خلال إقامته “طابور بشري” حول مبنى فخم …و قام بأخذ دور في الطابور لإستكشاف الامر، وكان الطقس ايضا معشّقا بالرذاذ الندّاف، والوجوه صامتة ، غير ان الملامح تحاكي الطمأنينة ….. ولمّا وصل الى مبتغاه وجد نفسه امام شباك تذاكر قاعة سينما تعرض فيلما مشهورا ل”مارلون براندو”…..
تالله بين المشهدين ،مشهد مسكون بالفقر والقهر ، ومشهد ممزوج بالوفرة والترف ، وللبيان فإن الوقت بين المشهدين على مقاربةزمنية ….
توقيع المشهد والمكان، العاصمة الفرنسية باريس في ولاية الجنرال ديغول .
المُلاحظ أن الجامع المشترك بين الطابورين عدم التجاوز ولا التدافش ولا اطلاق نار ولا حملة عِصّي، طوابير هادئة منتظمة ….
الطابور/ المشهد الثالث …
في مكان ما من وطننا العربي الحبيب والذي نفخر بالإنتماء اليه كتاريخ وإرث ثقافي ومبادئ ومكارم أخلاق ………
إنّها الطوابير في لبنان، طوابير الذل امام محطات المحروقات،،،طوابير الهوان امام الصيدليات “تقنص” الدواء المفقود وبالأصح المحتكر ،،،،،،طوابير امام المخابز والأفران للفوز “بربطة خبز” دون النظر الى النوعية ولا الى الكمية خوفا من صعوبة الحصول على الرغيف المستدير، وإستحالة الحصول عليه مكانه كبد السماء، كالقمر ليلة الإبتدار نراه ولا نستطيع القبض عليه كأننا المتلبّسون بالجوع ،،،،،
طوابير امام الصرّاف الآلي لقبض الراتب المُحاصر بعد ان اكتملت القرصنة وحجز وسرقة اموال المودعين ،،،،،طوابير امام المرئيات لإلتقاط وتسقُّط الأخبار والدعاء ان يعرف المسؤولين ” جنس الملائكة” ليس بالنوع الخَلقي بل بالتحزب الطائفي والحزبي والتصنيف المناطقي، وصرنا كمتسولي دراهمهم المعدودة ، وصارت ” لقمة الفقير اغلى ضيف “….
لقد قرأنا على مدى أجيال وقرون ان التنزيل بالإبتلاء والإمتحان وليس بالعقاب والقصاص،” ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين ” ونشهد ان القول الكريم اشار الى .. ” بشئ وليس بكُل ” وتعِس حكم السرقة والتكابر والتطاول على رقاب وكرامة الوطن والمواطن ، وويل للسارقين المدّعين العفة والطُهر!
واذ قال احد الأمثال ” جحا اولى بجلد ثوره ‘، فالعيب على من أكل زورا وسلبا لحم الثور وجلده وحافره و…فضلاته !!
توقيع المشهد والمكان على كل خطوط الطول وخطوط العرض لكافة المدن والمناطق والأزقّة والحارات في زمن الإفلاس والنهب والوباء والبلاء والخوف …