في ختام الموسم الأول لبرنامج الجوهر… الوقيان: لا حكومات متعاقبة في الكويت… بل واحدة ممتدة
النشرة الدولية –
في حلقة حوارية نظمتها أكاديمية الفنون الأدائية (لابا) التابعة لمؤسسة «لوياك»، منوعة الحضور، بين الواقعي من الكويت والافتراضي من لبنان والبحرين ومصر، في ختام الموسم الأول من برنامج الجوهر، ألقى الأديب د. خليفة الوقيان، الضوء على عدد من القضايا والمحاور الأدبية والاجتماعية والإنسانية والثقافية في حياته، والتي تساءل عنها متدربو البرنامج، حيث خُصِّص لكل منهم نحو 20 دقيقة لمحاورة الأديب الكبير. وتطرق الوقيان، خلال الحلقة التي أقيمت بنهاية مايو المنصرم، وتعرض على قناة «لابا» في يوتيوب قريباً، إلى قضايا الغزو الفكري والسرقات الأدبية التي تعرض لها، ونظرته للمرأة وعلاقته بأسرته وأبنائه والحب في حياته، فضلاً عن موقفه من قضية فلسطين والقومية العربية ورؤيته لهما… وإلى التفاصيل:
- عنوان رسالتك للدكتوراه “دراسة فنية في شعر البحتري”… لماذا اخترت دراسة شعره تحديداً دون غيره من أساتذته؟
– البحتري شاعر كبير من العصر العباسي، لم يحظَ بالقدر الكافي من الدراسات كما حظي بها المتنبي وأبو تمام. ومن طبيعة البحث العلمي في رسائل الماجستير والدكتوراه أن يكون أحد الموضوعين في الأدب القديم حتى يتدرب الباحث على الاتصال بالمصادر القديمة، لهذا اخترت البحتري في الدكتوراه. ومن جانب آخر، فإنّ معظم ما كتب عن البحتري هو تكرار لما قاله الباحثون المتقدمون. فمثلاً أنا لا أعتقد أن البحتري تلميذ لأبي تمام، أو أنه أحد القائلين بخلق القرآن… إلخ. وجدت أن هذين القولين بحاجة لإعادة نظر وغيرهما مما عُدَ من المسلّمات والمراجعة للإتيان برأي جديد، كما أن موقع البحتري مهم في الصراع الفكري في العصر العباسي ولهذا اخترته.
- بعض المؤرخين وصفوا البحتري بأنه أبخل الناس… هل تراه مغروراً أم مواكباً لعصره؟
– البحتري يرى أنه يبيع بضاعة، هو يقول أنا أعطيك المجد وأنت تعطيني المال، هو يرى أنه المتفضل على الممدوحين وأن الموضوع مقايضة، المدح مقابل الدراهم.
- تعرض كتابك “شعر البحتري… دراسة فنية” للسطو من قبل أحد الأكاديميين في نحو 65 صفحة… فما السبب؟
– السبب أنه حرامي! وهذا الأكاديمي سرق من أربعة غيري أيضاً. ومصادفةً وقع في يدي كتاب عن الشعر العباسي، ووجدت فصلاً كاملاً عن البحتري فلما قرأته وجدته مطابقاً لأسلوبي، لقد نقله نقلاً حرفيًا. هذه سرقة مكشوفة، راسلت على أثرها رئيس جامعة عين شمس، وبعد التحقيق تمت إدانته وحكموا عليه بوقف ترقيته. للأسف السرقات موجودة، وينبغي أن يتخذ إجراء حازم تجاهها.
- هل تعرضت كتاباتك الأخرى للسطو؟
– ليست سرقة وإنما عدم الإشارة للمصدر، مثلاً في رسالة الماجستير كتبت عن القضية العربية في الشعر الكويتي، ولقلة المصادر كنت آخذ النصوص من الصحف القديمة. أحدهم كتب عن فلسطين وأخذ النصوص التي استعنت بها كما هي، دون الإشارة إلى أنه أخذها من كتابي، والأمثلة كثيرة، منها أن بعض البرامج الثقافية تأخذ من كتابي “الثقافة في الكويت” ولا تشير إليه بصفته مصدراً لما ذكرته، وهذه تعتبر سرقة أو ضعفاً أو عدم أمانة في البحث… لا أدري!
- قلت في لقاء سابق: لقد وُجِد البحتري في فترة مميزة شهدت صراعاً، فحقه أن يولد شاعراً مميزاً… هل تؤمن بأن الشعر يولد في قلب الصراعات؟
– الشاعر إذا كان صاحب رأي يدخل في الصراعات، والبحتري وجد في فترة فيها صراعات بين القديم والجديد، وهو أحد طرفي هذا النزاع، الطرف المحافظ كما يقولون.
المحور السياسي
- ذكرت في أحد تصريحاتك أن الثقافة في آخر سلم اهتمامات الدولة، في حين نرى أن الدولة أنشأت العديد من المراكز الثقافية، ألا ترى أن تصريحك كان قاسياً؟
– المراكز هي أوعية ثقافية، ولكن ماذا تسكب في هذه الأوعية؟ وجود المباني لا يدل على وجود العقلية التي تفهم معنى الثقافة. إذا قارنّا بين ما فعله الأولون وما يفعله الآن المسؤولون نجد أنّ كل مشاريعنا الثقافية المهمة نشأت في مراحل سابقة، لا جديد.. مجلة العربي كان الفضل فيها لأحمد السقاف وبدر خالد البدر، وهكذا “عالم الفكر”، “من المسرح العالمي”، “الوعي الإسلامي”، “إبداعات عالمية” الفضل في إصدارها لأعلام الثقافة، أحمد العدواني، وعبدالعزيز حسين، وغيرهما.
- ذكرت أن سبب استقالتك كان أن الوزير يريد جعل المجلس استشارياً فقط،، هل حاولت إصلاح الوضع قبل الاستقالة؟
– بعد تقاعد الأستاذ أحمد العدواني، كنت أمارس دور الأمين العام بالنيابة ولكن دون تسميتي بذلك إلا بشروط تؤدي إلى تدمير المجلس ففضلت الاستقالة. الوزير الجديد له رؤية مختلفة، هو يعتقد أن المجلس يجب أن يكون استشارياً فقط، وأنا أرى أنه يجب أن يكون منفذا لمشاريعه، خاطبته بمذكرات مكتوبة، وحاول مشكوراً أن يثنيني عن الاستقالة، ولكنني وجدت أنه من الصعب الاستمرار في عمل يخالف قناعاتي.
- في ندوة بديوان المنيس ذكرت أن الليبراليين خانوا مبادئهم، ما الحل للوضع الثقافي في الكويت؟
الحل أن يتولى كل ذي اختصاص اختصاصه، قلت أكثر من مرة إن فاقد الشيء لا يعطيه، الدولة لا تعرف أهمية الثقافة، لا نملك إلا هذه القوة الناعمة، وهذا ما لا تدركه الحكومة الممتدة، لأني لا أعتقد أن هناك حكومات متعاقبة في الكويت، هي حكومة واحدة تتغير الرئاسة دون تغيير السياسات.
- لكن من الممكن أن تُعين الدولة شخصاً له علاقة بالثقافة غير أنه يرضخ للضغوط السياسية، فلمَ تضع اللوم على الدولة؟
– الدولة هي المسؤولة عن تعيين الوزير وتقويم أدائه، الثقافة ليست مسؤولية المجلس الوطني للثقافة فقط، لكنها مسؤولية الدولة كذلك. وإذا افترضنا أن الوزير المعني بالثقافة رضخ للضغوط السياسية فمن واجب الحكومة أن تقوّم اعوجاجه.
- الآن في عام 2021 ماذا تقدم الكويت للقارئ العربي؟
– لا نقدم شيئاً، لسنا دولة كبرى ولا نملك سوى هذه القوة الناعمة “الثقافة” التي أكسبتنا سمعة طيبة، ولا يليق بنا إضاعة هذه السمعة الطيبة، والمكانة المرموقة التي بذل الأولون جهوداً كبيرة للوصول إليها.
تأثير الحركات الأصولية
- القومية العربية، ماذا تعني لخليفة الوقيان؟
– هي هويتنا وانتماؤنا الذي لا مفر منه مهما حصل، وليس لنا خيار غيره.
- ترى أن الوعي بالقضية القومية قد شهد تراجعاً ملحوظاً، هل هو تشاؤم أم أن هناك دلالات أدت إلى هذه النظرة؟
– في كل مراحل التاريخ، يتقدم فكر ويتراجع فكر آخر، في أواخر السبعينيات بدأ الفكر الأصولي يتقدم ويزحزح الفكر العروبي عن مكانته السابقة. هذه سنة الحياة وهذا أمر طبيعي.
- الخدلان الذي يمر به المواطن العربي من القومية العربية هل هو بسبب خلل في النظرية القومية أم جاء بسبب انحراف المبادئ؟
– الخلل لا يكمن في النظرية، ولكن فيمن تولى قيادة الأنظمة. هناك من رفع شعارات “عروبية” ثم انحرف ومارس الديكتاتورية باسم العروبة، فإذاً الخلل في التطبيق لا في النظرية.
- ما مدى تأثير الأدب والشعر في المحافظة على إثبات أحقيتنا في القدس الشريف؟
– في الماضي كان للشعر تأثيره، وكانت القصيدة تحرك المظاهرات أيام الجواهري وأحمد شوقي وسليمان العيسى وغيرهم. أما الآن فلو قلت ١٠٠٠ قصيدة فقد لا تهز الناس، فهناك وسائل أخرى ممكن أن تؤثر في الشباب أكثر، قد تكون فاشينستا بسيطة تجر مليون متابع لها ويتأثرون بها.
- كان لك موقف من الأصوليين وتصاعد وجودهم، حدثنا عن هذا الموقف؟
– موقفي من أي قناعة فكرية يتلخص في أنه ليس من حق أصحابها أن يفرضوها على المجتمع. أحترم الأصوليين، وهم أحد مكونات ثقافتنا، ولكن إذا آمنوا بالديمقراطية، عليهم أن يحترموا الآخرين وقناعاتهم. الخلاف معهم بسبب محاولتهم احتكار الحقيقة ومحاولة فرض هيمنتهم على مجتمع كامل، وهذا لا يجوز.
- للحركة الوهابية نصيب من كتاباتك، في كتاب “الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات” إلام كنت ترمز بهذا العنوان؟
– هو محاولة للتعريف بما أنجزه الأولون في مجالات الثقافة كافة. الكثير ينظر للثقافة على أنها الأدب فقط وفي نظري هي كل ما يتعلق بالإنسان. البداية مع نسخ الكتب وإنشاء الجمعيات وبواكير الإبداع وصولاً إلى التعريف بالاتجاهات الفكرية التي كانت سائدة في المراحل المبكرة. وهذا كله يدخل ضمن المفهوم الواسع للثقافة.
- ما الذي كنت تعنيه بالغزوات الفكرية لدولة الكويت؟
– أعني التوثيق التاريخي لمرحلة مبكرة “القرن الثامن عشر” اذ حدثت مواجهة بين انصار الدعوة الوهابية والكويتيين مثل الشيخ عثمان بن سند، والشيخ محمد بن عبدالوهاب له قناعاته الخاصة، إذ يرى محاربة البدع، وهنا مبالغة كمبالغة في الحديث عن البدع في الجزيرة العربية، ومع ذلك فإن من حق أي منطقة أن تُنتج الفكر الملائم لطبيعتها، ولكن تصدير هذا الفكر إلى أماكن أخرى ذات طبيعة أو ظروف مختلفة قد لا يكون صحيحاً أو مقبولا.
- كلمة تحب أن توجهها للمناضلين الشرفاء في فلسطين؟
– أحيي إخواننا في فلسطين وأرى أن معاناتهم شديدة منذ زمن طويل. نحن الأدباء لا نملك إلا الكلام وهم بحاجة لدعم أكبر ونتمنى أن نتمكن من تحقيق هدفنا الأكبر في تحرير فلسطين.
المرأة
- كيف أثر الحب على خليفة الوقيان لتلمع عيناه عند ذكره؟
– الحب بمفهومه الواسع هو الذي يمنحنا التفاؤل والقدرة على تحمل متاعب الحياة، لولا الحب لما عاش الناس ولا استمرت الحياة. به نعيش وبدونه نذوي.
- برغم كل ما ذكرته، لم تشجع ابنتك أروى على مغامرتها مع اللاجئين فلماذا هذا التناقض إن صحت التسمية؟
– ليس هناك تناقض، أنا أخشى عليها فقط من الأماكن الموبوءة مثل مخيمات الروهنيغا ومجاهل إفريقيا، لكني لم أمنعها، خوفي كان بدافع الأبوة، والخوف هو جزء من الحب.
- هل يطغى شعور الأبوة لديك على شعور المناضل الأديب؟
– لا أدري، هذا يقيمه إنسان من الخارج.. لكن الأمرين متوازيان عندي.
- ابنتك فارعة احترفت الفروسية، ما الدور الذي لعبته في تربية فتاة قوية تتمرد على المجتمع؟
– ليس هناك تمرد على المجتمع في موضوع الفروسية، ابنتي فارسة وتحقق إنجازات على مستوى عالمي، ولكنها ليست الأولى ولا الأخيرة. هناك نساء قدن الطائرات في الكويت وفي فترة مبكرة.
- ما الدور الذي لعبته في تربية فتاة كهذه؟
– أنا لم ألعب دوراً ولا أريد أن أنسب لنفسي الفضل في هذا المجال، أروى وفارعة شقتا طريقهما وحدهما، أنا لم أتدخل بمنعهما، وليس لي فضل في هذا الموضوع.
- ما أبرز الأشياء التي تعلمتها من أولادك؟
– الأولاد مواكبون لكل جديد، وأنا أتعلم من أولادي وأولاد غيري، وبعد كل حوار أسأل نفسي من الصواب؟ وأجدهم صائبين، وأنا المخطئ غالباً.
- من خلال منبر “الجوهر” ما الرسالة التي تود توصيلها إلى زوجتك؟
– زوجتي شخصية مهمة جداً في حياتي، ولها فضل كبير في توفير الظروف لي لكي أكمل دراستي العليا، فضلا عن توليها تدريس الأبناء، كانت تقف معي وتساندني وهي تقدر ظروفي وانشغالاتي.
- عاصرتَ أجيالاً مختلفة، كيف طوّر المجتمع نظرته للمرأة؟
المجتمع يحترم المرأة في الكويت، وإذا كانت هناك قلة لديها رؤية فكرية معينة ضد المرأة فهذه الفئة لا تستطيع أن تعرقل مسيرة المرأة ولم تستطع.
- ولكنها لم تأخذ حقها كاملاً، فهي مثلاً لا تستطيع أن تمرر الجنسية لأبنائها، ومشاركتها السياسية أقل من الرجل… أليس هذا ظلماً للمرأة؟
– من ناحية هو ظلم، ومن ناحية أخرى هو ثقافة المنطقة نفسها. المرأة أخذت حقوقها السياسية، ومع ذلك في الغالب المرأة لا تنتخب المرأة..
- في الختام، ما رأيك بما تقدمه “لابا” و”لوياك” إلى شباب الوطن العربي؟
– نحن نفخر بما تقدمه “لابا” و”لوياك” وهما من المؤسسات التي تُعنى بالشباب وتوجههم إلى الاهتمامات الجادة. وهذا أمر يسرنا ونتمنى زيادة هذه المؤسسات.
متدربو الموسم الأول من «الجوهر»
شهد الموسم الأول من برنامج الجوهر، الذي تم تحت إشراف تدريبي من الإعلامية رانيا برغوت، مشاركة متدربين من الكويت ولبنان والبحرين ومصر، وهم روان زبيد، ألطاف المطيري، سهير الرفاعي، ناصر السهلي، هبة نورالدين، عبدالله المدفعي، منى مرزوق، أحمد الخالدي، عفاف العوضي، جنان نبعة.
السقاف تشيد بالوقيان ورانيا برغوت
أعربت رئيسة مجلس إدارة “لوياك” فارعة السقاف عن خالص شكرها وتقديرها لاستجابة د. الوقيان، وكرمه الذي تمثل في اقتطاع جزء من وقته للبرنامج رغم ما سببه له من إرهاق، مشيدة “بجهود الإعلامية القديرة رانيا برغوت المشرفة على تدريب المشاركين، وقدرتها المتميزة في التدريب والتوجيه وتيسير المادة الإعلامية للشباب.