استحقاقات اقتصادية وصحية شائكة تنتظر الرئيس الإيراني الجديد

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

لن تكون طريق الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تجري يوم الجمعة 18 يونيو (حزيران) الحالي، مفروشة بالورود، إذ تنتظر الرئيس العتيد تحديات واستحقاقات جمّة، بدءاً من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، مروراً بالأزمة الصحية التي ضربت البلاد بسبب انتشار وباء كورونا، وصولاً إلى الملف النووي وطاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، بحيث ستُناقَش علاقات إيران وسياستها الخارجية، خصوصاً مع دول الجوار.

وأشارت الاستطلاعات إلى أن المرشح المقرب من المرشد علي خامنئي، إبراهيم رئيسي، يملك الحظوظ الأوفر بالفوز. وأجرى معهد “ستاسيس” لتحليل البيانات، بطلب من قناة “إيران إنترناشيونال” (مقرها في لندن) استطلاعاً للرأي في 13 يونيو الحالي بعد المناظرة الانتخابية الأخيرة، فرجّحت نتائجه فوز المرشح رئيسي، بنسبة 62 في المئة ممن استُطلعت آراؤهم. ويأتي ذلك أيضاً بعد انسحاب عدد من المرشحين من السباق الرئاسي، من بينهم الإصلاحي محسن مهر علي زاده، الذي لم يذكر سبب انسحابه، إضافة إلى إعلان التلفزيون الإيراني انسحاب المرشح علي رضا زاكاني لصالح رئيسي، ليبقى التنافس بين خمسة مرشحين فقط.

نحو تشدد واستبداد أكبر

المرشح إبراهيم رئيسي القريب من المؤسسة العسكرية الإيرانية، الذي اعتبرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنه يتمتع بأوراق اعتماد لا تشوبها شائبة، لأنه من سلالة “السيّاد”، وحاصل على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وتمت ترقيته أخيراً إلى رتبة “آية الله”.

وكان ناشطون إيرانيون نشروا معلومات عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منها أنه كان رئيساً لأعلى مؤسسة قضائية في البلاد، وأنه متهم بإصدار أحكام قضائية “جائرة” لأسباب ودوافع سياسية لا جنائية، إذ كان واحداً من أربع شخصيات قضائية أطلقت عليها اللجان الحقوقية الإيرانية اسم “لجنة الموت”. وكانت هذه الشخصيات الأربع أشرفت على محاكمات صورية أودت بحياة قرابة 5000 سجين سياسي.

كما كان رئيسي في أعلى سلم الادعاء العام في العاصمة طهران إبان “الثورة الخضراء” عام 2009، وتسبب بإصدار أحكام قمعية ضد المنتفضين الإيرانيين. من هنا، يشير مراقبون إلى أن البلاد ذاهبة نحو التشدد والاستبداد بشكل أكبر، ما يعني مواجهات أكبر مع المجتمع الدولي.

وجاء في مقال لمجلة “فورين بوليسي” نُشر في 27 مايو (أيار) الماضي، بعنوان “الجمهورية الإسلامية تحتضر”، أن “الانتخابات الرئاسية الإيرانية تمثل نقطة تحول بالنسبة إلى البلاد، لكن لكل الأسباب الخاطئة”.

وحذر المقال من “استبعاد رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني لأن ذلك يشكّل تذكيراً واضحاً بما هو على المحك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المرتقبة في يونيو. ففي الوقت الذي أعرب  لاريجاني عن دعمه للمفاوضات مع الغرب من أجل رفع العقوبات ومعالجة الملف النووي… عبّر منافسه المحتمل والرئيس الحالي للسلطة القضائية المتشدد إبراهيم رئيسي، عن وجهة نظر مخالفة تماماً، داعياً لحل المشكلات الاقتصادية للبلاد من خلال إدارة القدرات البشرية والطبيعية بشكل صحيح، بدلاً من السعي للتفاوض مع العدو”. وأضاف المقال “… وقد حاولت المؤسسات الثيوقراطية على مر السنين، القضاء على الإصلاحيين ومنعهم من الوصول إلى مراكز السلطة، ومنع مجلس صيانة الدستور معظم الإصلاحيين من خوض الانتخابات البرلمانية لعام 2004 بعد الانتصار المفاجئ للإصلاحي محمد خاتمي عام 1997. وتلا انتخابات 2009 التي خاضها المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي، استبعاد صادم للرئيس المعتدل السابق أكبر هاشمي رفسنجاني من الترشح لدورة 2013.

كما قوبل انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في ذلك العام وإعادة انتخابه عام 2017 باستبعاد معظم المعتدلين خلال الانتخابات البرلمانية العام الماضي”. واعتبرت “فورين بوليسي” في تقرير آخر لها نُشر في 15 يونيو الحالي أن “إيران هي بالفعل واحدة من أسوأ الأنظمة الاستبدادية في العالم. ومع ذلك، يمكن أن تصبح قريباً أكثر استبداداً. فمنذ عام 2012، عملت طهران على إنشاء ’إنترنت حلال‘ منفصل عن شبكة الإنترنت، يمكنها حظر المواقع التي تشكل خطراً على الدولة، إضافة إلى ذلك، اشترت طهران من الصين حوالى 10 ملايين من كاميرات المراقبة لرصد تحركات الإيرانيين، كما ناقش خامنئي استبدال اللغة الإنجليزية بالصينية كوسيلة لجعل الثقافة الغربية غير قابلة للوصول إلى البلاد”.

تحديات تنتظر الرئيس العتيد 

وتنتظر الرئيس الإيراني العتيد تحديات عدة، أهمها الأزمات الاقتصادية المتراكمة منذ عام 2018، تاريخ انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وإعادة فرضها عقوبات اقتصادية على طهران، إضافة إلى تفاقم أزمة وباء كورونا في البلاد، ما أدى إلى تدهور الوضع المعيشي بشكل كبير.

الاقتصاد الإيراني

وكان رئيس غرفة التجارة الإيرانية غلام حسين شافعي، أعلن أن “حصة إيران في الاقتصاد العالمي تقلصت إلى النصف على مدار الأعوام الـ40 الماضية (منذ بداية الثورة الإيرانية)”. وتحدث رئيس المعهد العالي لأبحاث الضمان الاجتماعي روزبه كردوني عن أن “عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاعف بين عامَي 2017 و2019، ووصل إلى 30 في المئة، بعد أن كان عند 15 في المئة قبل ذلك التاريخ”. وبحسب رئيس “غرفة تجارة طهران” مسعود خوانساري، “أدت القيود المفروضة إثر إدراج إيران ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، إلى تعطيل العلاقات التجارية والمصرفية الإيرانية مع البنوك العالمية. وبسبب التوترات الموجودة، تدفقت خلال الأعوام التسعة الماضية، نحو 100 مليار دولار من رؤوس أموال الإيرانيين إلى خارج البلاد”.

لذلك جاء الوضع الاقتصادي كأبرز بند خلال مناظرات المرشحين الرئاسيين في إيران، ونقلت وكالة “رويترز” أن الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني، المرشح المعتدل عبد الناصر همتي، اتهم في أول مناظرة انتخابية، غلاة المحافظين بأنهم وراء عزلة البلاد على الساحة الدولية، وتقويض اقتصادها الذي تهيمن على قطاعات واسعة منه، مؤسسات ضخمة يديرها المحافظون. في المقابل، فإن القائد السابق لـ “الحرس الثوري” محسن رضائي، اتهم همتي بـ”الرضوخ الكامل” للعقوبات الأميركية، وقال إنه ينبغي أن يواجه اتهامات بالخيانة.

العلاقات الخارجية ودول الجوار

وخلال المناظرات الرئاسية، شدد المرشحون السبعة على أولوية رفع العقوبات الأميركية، الأمر الذي يُتوقع أن يحدث من خلال المباحثات غير المباشرة الجارية حالياً في فيينا، سعياً لإحياء الاتفاق النووي من خلال عودة واشنطن إليه، مما قد يؤدي إلى إطلاق عجلة الاقتصاد المحلي مجدداً. وفي مقابلة مع صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، اعتبر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي أن “مساعي إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران يجب أن تنتظر تشكيل حكومة جديدة، مشدداً على أن “الاتفاق يحتاج إلى إرادة سياسية من كل الأطراف”.

أما الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية “إيريس” في باريس تييري كوفيل، فأشار في حديث صحافي إلى أنه “في حال تم رفع العقوبات، سينعكس ذلك استقراراً على البيئة الاقتصادية الكلّية، مع زيادة في النمو وتراجع في مستوى التضخم”. وتابع أن ذلك يجب أن يترافق مع توفير حاجات المواطنين “لأن أحد المخاطر هو أن يعتقد الناس أن كل شيء سيتحسن على الفور (إذا تم رفع العقوبات)، وفي هذه الحال سيواجهون خيبة أمل كبيرة”.

وقال الباحث الفرنسي كليمان تيرم، المتخصص في الشأن الإيراني إنه “حتى لو تمّ التوصل إلى تسوية بشأن الملف النووي، فذلك لن يؤدي إلى عودة المستثمرين الأجانب إلى السوق الإيرانية في المدى القريب. والشرط الذي لا غنى عنه لحدوث ذلك، هو تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن”. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أعلن أن بلاده ستبقي على “مئات العقوبات” على إيران حتى لو توصّل البلدان إلى تسوية لإنقاذ الاتفاق حول الملف النووي. وكانت تقارير صحافية فرنسية أشارت إلى أنه من المتوقع أن يستمر اضطراب علاقة إيران مع دول الغرب، في مقابل العمل على تحسين العلاقات مع دول قريبة أبرزها السعودية، وذلك بعدما أبدى المرشح الأوفر حظاً إبراهيم رئيسي، رغبته بمنح الأولوية لتعزيز علاقات بلاده مع الدول المجاورة.

وتُعدّ إيران من أكثر الدول تأثراً في منطقة الشرق الأوسط بجائحة كورونا، ولم تستطِع حتى الآن التقدم في حملة التلقيح الوطنية بالسرعة اللازمة للسيطرة على تفشي الوباء. ويأمل الإيرانيون في أن تتمكّن الحكومة الجديدة من تسريع عملية التحصين في حال نجح بعض مشاريع التطعيمات المنتَجة محلياً، في إنجاز الاختبارات السريرية ونيل الموافقة الرسمية لاعتمادها، أو أن يمكّنها تخفيف العقوبات من استيراد اللقاح، بعدما كان حُظر استيراد بعضها بسبب إنتاجها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من قبل المرشد الأعلى في مارس (آذار) الماضي، علماً أن إيران من بين أول 10 دول في العالم من حيث عدد الوفيات بـ”كوفيد-19″. ويُذكر أن وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي، أعلن عن انتهاء التجارب السريرية للقاح “كوفيران بركات” المحلي الصنع، مضيفاً أنه سيكون جاهزاً لتطعيم عامة الناس في نهاية يونيو الحالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button