العرب مع حقوق الأكراد والمشكلة في تركيا وإيران!
بقلم: صالح القلاب

النشرة الدولية –

حتى لو غضب البعض، وبخاصة قادة ومسؤولو الأنظمة التي يصفها أصحابها بأنها «قومية»، وبعضهم يضيف و«اشتراكية وتقدميّة»؛ فإنه لا يجوز أنْ يبقى «الأشقاء» الأكراد من دون حقِّ تقرير مصير، وأنْ تكون لهم دولتهم القومية أو الوطنية، وذلك في حين أنّ العرب الذين رفع البعثيّون منهم شعار «أمة عربية واحدة… ذات رسالة خالدة» باتت لهم منذ فجر «الاستقلالات» وحتى الآن أكثر من عشرين دولة، والبعض يتوقع أنْ يرتفع هذا العدد طالما أن داء التشرذم بات يطرق أبواب هذا الوطن بعد ما سميّ «الربيع العربي» الذي ثبت بعدما حصل كل هذا الذي حصل أنه «خريفٌ أجردٌ»، وأن داء التمزّق بات يطرق أبواب دول هذه الأمة إنْ في أفريقيا وإنْ في آسيا.

ربما أنّ هناك من لا يعرف أنّ الأكراد الذين كانوا قد لعبوا أدواراً رئيسية في التاريخ الإسلامي والعربي يوجدون وبنسبٍ مختلفة في معظم دول الوطن العربي الآسيوية وأيضاً الأفريقية، وأنّ بعض هذه الدول لا تعترف بهم لا كأمة مثلها مثل الأمة العربية والأمم الأخرى وأيضاً ولا كشعبٍ مثله مثل شعوب هذه المنطقة والمناطق القريبة والبعيدة، والمعروف أنّ تركيا لا تزال حريصة على إرث مصطفى كمال (أتاتورك) في هذا المجال، وأنّ رجب طيب إردوغان يواصل السير على طريق كل الذين سبقوه، وأنه يعتبر حزب العمال الكردستاني التركي الذي لا يزال مؤسسه ورئيسه عبد الله أوجلان معتقلاً في أحد السجون التركية، حزباً إرهابياً، وأن تركيا، قد أرسلت قواتها لتطارده حتى في بعض مناطق العراق وحتى في كردستان العراقية.

وهنا، فإنه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ محرّر القدس الشريف وفلسطين كلها من الصليبيين بعد ثمانية وثمانين عاماً هو البطل الإسلامي التاريخي صلاح الدين الأيوبي الذي لا يزال بعض الأكراد، أكراد العراق تحديداً، يأخذون عليه أنه لم يعلن «كرديته»، وإنه كان عليه أن يقيم دولة كردية في المناطق التي كان قد سيطر عليها، وهنا فإنّ المعروف أنّ تلك الفترة المبكرة جداً لم تكن فترة الدول القومية وإنما الدول الدينية، وأنّ هذا البطل العظيم قد تصرف كقائدٍ إسلامي وليس لا كقائدٍ عربي ولا كقائدٍ كردي.

ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه هو أنّ هناك من لا يعرف أنّ رئيس العراق، الذي كان يصفه البعثيون بأنه «القطر العراقي»، هو: الكردي برهم صالح الذي كان قد سبقه إلى هذا الموقع جلال طالباني، في حين أنّ وزير الخارجية هو (الصديق العزيز) فؤاد حسين (من جماعة مسعود بارزاني)، وبالطبع فإنّ هذه مسألة كانت ولا تزال ضرورية في ظل المتغيرات التي استجدت بعد إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبعدما بات نظام الملالي يسيطر على هذا البلد العربي سيطرة شبه كاملة.

وهذا في حين أنّ المعروف أنّ إيران، دولة الملالي، هي التي كانت ولا تزال ترفض قيام دولة كردية ليس في إيران وفقط، وإنما في العراق أيضاً، أي في كردستان العراقية وفي تركيا وفي سوريا وفي كل أمكنة يوجد فيها هذا الشعب الذي كان قد لعب أدواراً رئيسية في الدفاع عن هذه المنطقة، والذي هو في حقيقة الأمر لا يزال يشارك في كل حركات التحرر العربية، وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية.

ثم، وبما أنّ حزب العمال الكردستاني التركي «بارتي كريكاراني كوردستان» كما هو معروف قد شكّل الطليعة الكردستانية التركية، وذلك في حين أن أكراد تركيا كان مفروضاً عليهم منهج وسياسات مصطفى كمال (أتاتورك)، فإنه لا بدّ من التأكيد على أنّ هذا الحزب كان قد بدأ نشاطه العسكري في السابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1978 بمجموعة من الطلاب الماركسيين الذين كانوا يوجدون في سوريا والذين كانوا قد أقاموا قواعد لهم في منطقة البقاع اللبناني بدعمٍ سوري، وذلك على اعتبار أنّ نظام حافظ الأسد كان يسيطر على هذه المنطقة اللبنانية، وكان قد مدّ نفوذه على باقي مناطق لبنان وحتى على بيروت العاصمة.

كان هذا الحزب، الذي يقال إنه كانت له علاقة بالقائد الكردستاني الكبير مسعود البارزاني، قد عقد مؤتمره الأول في سوريا في عام 1981 ومؤتمره الثاني أيضاً في عام 1984، وأنه قد حاز دعم لبنان وأكراد العراق ودعم اليونان والاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية كلها، في حين أنه قد اعتبر أنه تنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وبالطبع وتركيا وإيران.. وأستراليا أيضاً وغيرها.

وحقيقة، أنه بعد كل هذه التطورات التي شهدتها هذه المنطقة خلال كل سنوات بعد ما سميّ «الربيع العربي»، قد أصبح هناك نهوض كردي قومي، إنْ في تركيا وإنْ في سوريا، وبالطبع وإنْ في إيران والعراق وفي كل مكان يوجد فيه هذا الشعب الذي يقدر عدده الدولة التركية بعشرين مليوناً، يتوزعون في «21» محافظة من أصل «81» محافظة، وذلك في حين أنّ هؤلاء يشكلون «80» في المائة من السكان في الجنوب الشرقي من تركيا وأنهم يشكّلون «12» في المائة من السكان عموماً، وأن المعروف أنّ مصطفى كمال (أتاتورك) كان قد ألزم الأقليات القومية والأثنية اللغة التركية وعدم التحدث بالنسبة للأكراد باللغة الكردية في هذا البلد حتى عام 1991.

ولقد جاء في مذكرات جواهر لال نهرو، أنّ عدد قتلى الأكراد في تركيا وفي الدول الأخرى قد بلغ مليوناً ونصف المليون، في حين أنّ العدد الكلي لهؤلاء هو «45» مليوناً، وأنّ الثورات الكردية عملياً لم تتوقف إطلاقاً وأنّ أكراد إيران يشكلون «20» مليوناً وتركيا «20» مليوناً والعراق «5.5» مليون، وسوريا «3.6» مليون، وألمانيا مليون ونصف المليون، وفرنسا «190» ألفاً.

والمفترض هنا، أنه معروفٌ أنّ الأكراد قد أقاموا جمهورية «مهاباد» في عام 1946 بقيادة قاضي محمد والملا مصطفى البارزاني بدعمٍ من الرئيس السوفياتي الأسبق جوزيف ستالين، وأنّ هذه الجمهورية لم تدُم إلا «11» شهراً، وإنه بعد سقوطها قد تم إعدام قاضي محمد، وذلك في حين أنّ مصطفى البارزاني، والد مسعود البارزاني، قد لجأ مع بعض ضباطه إلى روسيا السوفياتية وأنه قد بقي هناك لسنواتٍ طويلة، في حين أنّ محاولات إقامة دولة كردية مستقلة بقيت تقتصر على العراق وأنّ إيران كانت ولا تزال ومعها تركيا بالطبع ضد قيام هذه الدولة التي هي في حقيقة الأمر قائمة الآن وتعترف بها الكثير من الدول الأوروبية.

وهذا يعني أن الوضع القائم الآن سيبقى مستمراً ما دام أنّ هذا النظام الإيراني، نظام الملالي، بقي قائماً، وما دام أنّ رجب طيب إردوغان قد استمر في حكم تركيا، ثم وما دام أنّ المعادلة الإقليمية لم تتغير نهائياً، فالمشكلة الحقيقية التي تواجه الشعب الكردي هي المشكلة الإيرانية والمشكلة التركية؛ إذْ إن العرب بصورة عامة مع حق هذا الشعب الشقيق في أنْ يحقّق استقلاله الوطني والقومي وأن يقيم دولته على غرار ما حقّقه أشقاؤه العرب الذين أصبحت لهم كل هذه الدول العربية المتعدّدة، وحيث إن «الوحدويين» منهم يتمنّون أن تصبح دولة واحدة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button