هؤلاء الشركاء في جريمة قتل الفتاة الجامعية
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
يسوقنا التاريخ صوب الماضي ونحن نتذكر الحوادث كيف تتكرر بثوب مختلف وبعناوين متغايرة، فمن لا يقرأ التاريخ لا يعرف الحاضر ولن يكون قادراً على بناء المستقبل، ومن لم يتعظ بحوادث التاريخ فلن يملك القدرة على إدارة الأمور وسيكون عبئاً على الأمة بل سيكون مصدراً للقلق وربما الموت، وهذا ما حدث مع الطالبة الجامعية التي قتلها والدها بكل قسوة ودون وازع من ضمير، كون الضمير أصبح غائباً عن من يضعون القوانين المتجبرة والتي لا تراعي الفوارق الفردية والجماعية بين أعضاء المجتمع، لذا فقد خسرنا إبنة عزيزة لا نعرف اسمها ولا تخصصها لكنها أبنة لكل اردني حر يبحث عن الحياة الأفضل للجميع.
ودعونا نعود إلى التاريخ لعلنا نهتدي فيه لإشراقة شمس حجبها الجهلاء بقوانين ظالمة، فالخليفة العادل عمر بن الخطاب قالها منذ قرون ” يا ويح عمر كم قتل من أطفال المسلمين”، هي قصة مشهورة لكن المُشرع في الأردن لم يقرئها ومن وضع قوانين المنح الدراسية لم يتذكرها، فهؤلاء يمارسون دور الجلاد ولا يقومون بأدوار البناء والخير، ابن الخطاب يا سادة يا كرام كان يتفقد أحوال الرعية ليلاً وبرفقته عبد الرحمن بن عوف، فإذا بقافلة قد حطت رحاله بجوار المدينة فاتفق أن يحرسا القافلة لصيانة مال اصحابها من الحيوان قبل الإنسان، وخلال الليل سمع الخليفة العادل بكاء طفل، فقال لأمه أرضعيه، ثم عاد البكاء من جديد فأعاد مقولته أرضعيه، فقالت المرأة إنني أفطمه لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام، وهنا بكى عمر وقال مقولته الشهيرة: ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين ، ثم أمر أن يعطى العطاء منذ الولادة .
واعتقد ان اصحاب القرار في المنح الجامعية لو تذكروا هذا القصة لتغيرت الأنظمة، ولما قُتلت الطالبة الجامعية بكل هذه القسوة التي شعارها الفقر والحاجة، فالقاتل لو كان يملك المال لتدريس ابنته لما احتاج إلى معاقبتها بكل قسوة للحفاظ على المنحة التي أصبحت تعادل حياة الفتاة، بل لتعامل معها بلطف ودرس حالتها واحتياجاتها، ولكن البحث عن بقاء المنحة جعله يفقد بحثه عن الحب والمودة لإبنته التي لم ترتكب فعلاً مشيناً، وحتى لو فعلت فليس له الحق في قتلها، فهذه الروح هبة من الله لا يجوز إزهاقها، لكنه الفقر الذي لو كان رجلاً لقتلته هكذا قال ابن الخطاب، فمن قتل الطالبة هم مجموعة من لصوص الوطن نهبوا خيراته وآخرون قيدوا أبناء الأردن بقرارات يتم تفصيلها لحماية مصالح معينة أو لإظهار غيرتهم على الوطن دون أن يقوموا بدراسة الفوارق الإجتماعية والعلمية بين افراده، ليثبتوا جهلهم وأنهم في مناصب لا يستحقونها.
وهنا نقول لحكوماتنا التي فقدت بوصلة رسالتها بأنها جاءت لخدمة المواطن والمحافظة عليه، ولمن ينصبون أنفسهم فوق البشر حين يضعون الأنظمة حيث ينسلخون من جلد المجتمع حتى يُظهروا أنهم على حق، وللنظام التعليمي الفاشل من المدرسة وحتى الجامعة، ولمحاربة الفساد التي لم تعاقب لصاً نهب خيرات الوطن، فالحق يا سادة يا من اشتركتم في قتل الفتاة أن يكون التعليم مجانياً وكذلك العلاج ، فالعدل أن لا تقتلوا ابناء الوطن تحت مسميات الجهل والقهر، فالعدل أن لا تكون هناك منح بل يكون هناك عدالة إجتماعية تجعل التعليم حق مكتسب لكل أردني وأردنية، وعندها سيجد الاب والمدرس والحكومة العذر لابناء الشعب الذين يعتبر ذكائهم أو تركيزهم أقل من غيرهم، ويمنحوهم الفرصة للعيش بأمان وعدم الإضطهاد لأسباب لا شأن لهم بها، لكنها الفوقية التي تفتك بالمجتمع بحثاً عن لقمة عيش أو مقعد في جامعة والجميع يحاسب من بلا عمل أو من وجد صعوبة في التعلم، والجميع “إلا من رحم ربي” يتملق لصوص الوطن الذين أوصلونا إلى هذه الحالة.
رحم الله الطالبة الجامعية التي قُتلت قهراً وتحت التعذيب، ورحم الله عمر بن الخطاب الذي ترك لنا دروساً يستفيد منها كل عاقل راشد، ولكن أين هؤلاء الراشدون في الدولة التي تسير دون بوصلة.