الردّ فلسطينيا على الجمود الإسرائيلي
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
يمكن الاستغراق طويلا في الكلام عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت وعن هشاشة تركيبتها. في الواقع، يمكن الدوران طويلا، من دون فائدة تذكر، في فلك هذه الحكومة التي لا وجود لاي قاسم مشترك، من ايّ نوع، بين مكوناتها.
من هذا المنطلق، تبدو الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي حازت على الثقة بستين صوتا، فيما اعترض عليها 59، مع امتناع نائب وحيد عن التصويت، في غاية الهشاشة. سيكون عليها البحث في كلّ وقت عن سبب يدعو الى استمرارها وتفادي سقوطها. هذا ما جعل بنيامين نتانياهو يتوقع عودة قريبة الى موقع رئيس الوزراء، اللهم الّا اذا دانه القضاء الإسرائيلي في قضايا الفساد التي لاحقته وما زالت تلاحقه.
تعكس هذه الحكومة، التي لا يجمع بين أعضائها الـ27 (بينهم تسع نساء) واحزابها الثمانية سوى الرغبة في التخلّص من “بيبي”، وجود ازمة عميقة في الداخل الاسرائيلي. يظلّ افضل تعبير عن هذه الازمة اجراء انتخابات نيابية اربع مرات في سنتين من دون التوصّل الى أكثرية واضحة في الكنيست، اكثريّة يوجد تجانس في الحدّ الأدنى بين مكوناتها.
ليست الحكومة التي تشكلت سوى كائن هجين ليس معروفا رأسه من قدميه. ليس معروفا ايضا أين الأعضاء الأخرى من الجسد. نظريّا، ليس ما يجمع بين اليميني بينيت الذي كان من بين ابرز الداعين الى الاستيطان ويائير لابيد الوسطي الذي يفترض ان يخلفه في موقع رئيس الوزراء في غضون سنتين. يشغل لابيد في الحكومة الجديدة موقع وزير الخارجية. كيف ستكون هناك سياسة خارجيّة إسرائيلية واضحة في غياب تجانس بين رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال في الوقت الحاضر. لم يكن من همّ لدى لابيد وبينيت غير همّ الخلاص من “بيبي” الذي بقي رئيسا للوزراء طوال 12 عاما ابلى خلالها البلاء الحسن في لعبة التلاعب بالآخرين.
سيظلّ الموضوع الأساسي الذي سيطرح نفسه بحدّة الموقف من ايران وسياساتها في المنطقة وبرنامجها النووي. سيطغى هذا الموضوع على كلّ ما عداه. سيكون اكثر سهولة على الحكومة الجديدة إيجاد نوع من التفاهم مع الإدارة الأميركية في شأن التعاطي مع “الجمهوريّة الاسلاميّة” وبرنامجها النووي وسلوكها الخارجي وصواريخها، خصوصا ان “بيبي” كان اتخذ موقفا واضحا معترضا على ايّ اتفاق أميركي – إيراني في ما يخص العودة الى اتفاق العام 2015. هذا الاتفاق الذي ترغب ايران في العودة اليه بشروطها التي في مقدّمها رفع العقوبات عنها. لن تكون الحكومة الإسرائيلية من يقرّر في ما يخص ايران. ستبقى المؤسسة العسكريّة – الأمنية صاحبة الكلمة الأخيرة في هذا المجال. لهذه المؤسّسة تاريخ طويل من التنسيق مع الدوائر المختصّة في الولايات المتّحدة.
إضافة الى ذلك، لن تجد الإدارة الأميركية صعوبات كبيرة في التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة. يعود ذلك الى ان بني غانتس سيبقى وزيرا للدفاع. يمتلك غانتس الذي كان رئيسا للاركان القدرة على الدخول في حوار مع الإدارة في واشنطن. وهذا ما فعله قبل نحو أسبوعين عندما قام بزيارة للعاصمة الأميركية التقى خلالها عددا كبيرا من المسؤولين الأمنيين.
لم يستطع غانتس التوصل الى تفاهم مع “بيبي” في شأن كيفية التعاطي مع الادارة الأميركية، خصوصا انّه يبدو جليّا ان هناك اصرارا لدى الإدارة في التخلّص من رئيس الوزراء السابق ومنعه من البقاء في موقعه بسبب غياب الامل في التفاهم معه. هذا حدث في الماضي عندما ضغطت الولايات المتحدة في عهد بوش الاب من اجل التخلّص من اسحق شامير بعد انعقاد مؤتمر مدريد في أواخر العام 1991.
على الرغم من ان الحكومة الاسرائيلية الجديدة ستكون عاجزة عن اتخاذ قرارات جريئة في ما يخص عملية السلام نظرا الى وجود دعم من قسم من اليمين المتطرّف لها ودعم من “القائمة العربيّة الموحّدة”، التي يتزعّمها منصور عبّاس، أي من الاخوان المسلمين، ثمّة حاجة الى كسر الجمود الذي يتوقع ان يتحكّم بالسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. اذا كان هناك جمود اسرائيلي، هل من الضروري ان يكون هناك جمود فلسطيني؟
يُفترض في الجمود الإسرائيلي الّا يمنع الجانب الفلسطيني من اعتماد المرونة وإعادة لملمة صفوفه والاتفاق على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، خصوصا في الضفّة الغربيّة. من الواضح، في ضوء ما حصل في القاهرة حيث بدا مستحيلا مباشرة حوار فلسطيني – فلسطيني مثمر بين السلطة الوطنيّة و”حماس”، أنّ ليس امام “حماس” في الوقت الحاضر سوى التشنّج من جهة والبقاء في اسر الشعارات من جهة اخرى. تعتقد “حماس” انّها صارت صاحب المبادرة فلسطينيا بعدما كشفت من خلال صواريخها في غزّة حال الترهل التي أصيبت بها السلطة الوطنيّة. لماذا لا تقوم السلطة الوطنيّة بعملية نقد للذات في العمق وتجدد شبابها عن طريق التخلّص من عقدها التي جعلت “فتح” ثلاث جهات وحرمت الفلسطينيين من افضل الكفاءات مثل الدكتور سلام فيّاض والذين تعاونوا معه عندما كان رئيسا للوزراء، على سبيل المثال وليس الحصر.
تتشكّل الحكومة الإسرائيلية، بالتي هي احسن، في وقت اكتشف الفلسطينيون انّهم شعب واحد في الداخل والخارج. في الضفّة وغزّة واراضي 1948 وفي الشتات. توفّرت للفلسطينيين فرصة لترجمة هذه الوحدة الى فعل إيجابي عبر الانتخابات التي اصرّ رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس (أبو مازن) على تأجيلها.
بانتخابات ومن دون انتخابات، من واجب الفلسطينيين التحرّك وذلك بغض النظر عن حال المخاض التي تمرّ فيها “حماس” التي تعاني من تجاذبات كثيرة. هناك “حماس” التركيّة و”حماس” الايرانيّة و”حماس” القطريّة و”حماس” الفلسطينية التي لا بد ان تنتصر في نهاية المطاف.
شئنا ام ابينا، حصل تفاهم في اسرائيل على استبعاد بنيامين نتانياهو بتواطؤ اميركي. متى يحصل تفاهم داخلي في الضفّة الغربيّة على تجديد شباب القيادة الفلسطينية والاستفادة من ذوي الخبرات في الوقت ذاته يستحقّ الفلسطينيون قيادة افضل، خصوصا انّهم شعب حيّ يمتلك عددا كبيرا من افضل الاختصاصيين في مختلف المجالات.
آن أوان حصول تغيير فلسطيني في العمق كي لا يقال ان الشعب الفلسطيني عجز عن ترجمة وحدته الوطنيّة الى فعل في المجال السياسي.