“احتلال” داخلي للدول الوطنية من أجل مشروع إمبراطوري
بقلم: رفيق خوري
النشرة الدولية –
لا حل في العراق خارج مشروع الدولة الوطنية، ولا عقبات أكبر من تلك التي تقف في وجه المشروع، عقبات تتعلق بالتركيبة التقليدية وتوظيفها في مشاريع تحت مستوى الدولة، وعقبات ترتبط بتخطيط إقليمي لجعل بلاد الرافدين جزءاً من مشروع إمبراطوري، وليس من السهل على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المؤمن بالدولة الوطنية والعامل لها تجاوز العقبات من دون مشقة، وزمن وعمل مرحلي، ورهان على الجيل الجديد، جيل “انتفاضة أكتوبر”، فالأوضاع بالغة التعقيد، والضغوط حتى على القضاء، وسط عروض عسكرية لـ”الحشد الشعبي”، أفرجت عن قاسم مصلح قائد عمليات الحشد في الأنبار والمتهم بتدبير اغتيال الناشطين في كربلاء، وإذا كانت “المسارات الخاطئة” وراء سقوط الموصل في يد تنظيم “داعش”، كما قال الكاظمي، فإن المسارات السلبية المنظمة في مرحلة ما بعد السيطرة الجغرافية لـ”داعش” يمكن أن تقود إلى سقوط العراق.
ولا أحد يجهل ما الذي يحول دون أن يذهب الكاظمي إلى النهاية في مواجهة “الحشد الشعبي” الذي يتحدى الدولة ويقوم بممارسات خطيرة على أمن البلد، وما كان من المتوقع أن يرسم رئيس الوزراء الصورة الكاملة في الذكرى السابعة لفتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع آية الله علي السيستاني لمواجهة “داعش” المندفع من الموصل نحو بغداد، فهو امتدح ما قام به “الحشد الشعبي” من جهود “أوقفت وحشاً”، واكتفى بأن يكرر تحذيرات المرجعية في الذكرى “من استغلال الفتوى سياسياً واقتصادياً لمصلحة مشاريع غير وطنية”، وكان من الطبيعي تأكيد العمل على “تصحيح المسارات الخاطئة ووضع البلد على الخط الصحيح بدعم القوات المسلحة وضبط أدائها وفق القواعد العسكرية الوطنية”.
ذلك أن “الحشد الشعبي” الذي كان “ضرورة “في مواجهة “الخلافة الداعشية”، يمارس بعد الانتصار عليها ما صار “مضراً” بالعراق، فهو مستمر في إطلاق الصواريخ والمسيّرات على القواعد العسكرية التي تضم جنوداً أميركيين كما على المنطقة الخضراء والمطار، وزعيم “عصائب أهل الحق” أعلن، أخيراً، وسط إطلاق الصواريخ أن “قرار الحرب ضد القوات الأميركية تم اتخاذه”، وهذا بالطبع ليس قرار الحكومة التي فاوضت الأميركيين واتفقت معهم على الانسحاب كما على الحاجة إلى “خدمات” بعضهم في مجال التدريب والمعلومات، إنه قرار إيران التي تريد قلب المعادلة: من مطالبة أميركية لها خلال التفاوض على الملف النووي بالحد من نفوذها الإقليمي والتوقف عن “السلوك المزعزع للاستقرار “في المنطقة، إلى إجبار أميركا بالقوة بسحب قواتها من “غرب آسيا”، وهذا قرار ضمن استراتيجية واسعة لخلق قوى عسكرية رديفة للجيوش في البلدان العربية للإمساك بها وإنهاء مشاريع الدول الوطنية لمصلحة مشروع إمبراطوري تحت عنوان فقهي.
والواقع ناطق، المشهد بعد سبع سنوات على فتوى “الجهاد الكفائي” هو انقسام الحشد إلى “حشد مرجعية” تابع للنجف و”حشد ولاية” تابع لولاية الفقيه، حشد “الولاية”، كما كان يقول أبو مهدي المهندس القائد الراحل لـ”كتائب حزب الله” هو “مشروع أمة مشروع مرجعية”، وأقل ما قاله قائد آخر هو: “نحن تابعون لولاية الفقيه ولا نقبل أوامر من أي جهة أخرى”. ولا يبدل في الأمر أن الحشد “شرعي” وخاضع للقائد العام للقوات المسلحة بموجب قانون وله قيادة وأركان ورواتب. وهذه حال الميليشيات التي أنشأتها إيران وتمولها وتسلحها مثل “حزب الله” في لبنان وأكثر من ميليشيات في سوريا، والتي رعتها وسلحتها مثل “أنصار الله” الحوثيين في اليمن. فهي تتحكم بالسلطة ولا تأتمر إلا بأوامر “الحرس الثوري”، وتنقلب على الشرعية كما فعل الحوثيون في اليمن، وهي قبل ذلك وبعده، ميليشيات مذهبية تحاول تكتيل طائفة بكاملها وراءها.
وليس بين القوى الدولية والقوى الإقليمية من لديه ميليشيات تقاتل من أجل مشروعه وتدافع عنه كما فعلت جمهورية الملالي، أميركا، وروسيا، وتركيا، وإسرائيل تحتل بجيوشها وتستعين بمرتزقة من الخارج والداخل، أما إيران، فإنها “تحتل” اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان بميليشيات من أبناء هذه البلدان. ميليشيات تؤمن بولاية الفقيه وتراها مصير الأمة، لكن هذا المشروع الإمبراطوري يواجه تحديات وعقبات كثيرة، بعضها الاصطدام بمصالح قوى إقليمية ودولية تحدّ من الطموح الإيراني في الصراع الجيوسياسي. وبعضها مواجهة قوى محلية ترفض هيمنة مذهب أو طائفة على بلدان متعددة الطوائف والمذاهب.
والسؤال البسيط هو: هل يحتاج العراق اليوم إلى “حشد شعبي”، ولديه قوى مسلحة مدربة قوامها 1,5 مليون جندي؟ والجواب الأبسط هو: كلا، ولكن المشروع الإمبراطوري الذي أنشأ الحشد والميليشيات لا يزال قادراً على فرض ذلك، ولا مستقبل في النهاية إلا للدول الوطنية.