الامتحانات الرسمية في زمن الإنهيار: هل يعيش وزير التربية فعلا في لبنان؟
النشرة الدولية –
لبنان 4 – نوال الأشقر –
لا يمكن مقاربة مدى جهوزية الطلاب والمدارس لإجراء الإمتحانات الرسمية من منظار واحد، فالظروف والإمكانيات ليست متساوية، وفعالية التعليم عن بعد تختلف بين المدارس الخاصة والرسمية، وهناك تفاوت بين المدارس الرسمية نفسها.
وزير التربية ماضٍ في قراره إجراءَ الإمتحانات، بالنسبة إليه هي “استحقاق وطني”، كما أنّه لا يرغب بتكرار تجربة إلغاء الإمتحانات خلال ولايته، ففضّل تقليص المناهج تماشيًا مع الظروف، وتقسيم المواد إلى إلزامية واختيارية. بالمقابل هناك رأيٌ آخر داخل الوزارة والهيئة التعليمية يدعو لإلغاء الإمتحانات، خصوصًا أنّ مستلزمات التعليم عن بعد لم تكن متوفرة لجميع الطلاب.
هناك أمرٌ آخر لا يمكن استبعاده عند مقاربة الموضوع، وهو البيئة المحيطة بالطلاب والمدرّسين على حدّ سواء، فهؤلاء وإن نجحوا بعزل أنفسهم عن الأزمات المحيطة بهم خلال الحصص التعليمة، سرعان ما تهبط بهم الأخبار البالغة السلبية إلى أرض الواقع، وهم يعيشون الإنهيار والجحيم الموعود على أفضل ما يرام، الأساتذة يكملون واجبهم وبعضهم يتقاضى نصف راتب ، فيما الراتب الكامل لم يعد يؤمّن لهم أدنى متطلبات العيش، فضلًا عن التحديات التي فرضها عليهم التعليم عن بعد، بحيث وجدوا أنفسهم ملزمين بالتعامل مع الكاميرا وتقنيات الكومبيوتر، أمّا الطلاب فيحيون زمن التقشّف بكل مشهدياته، بعدما انقلبت أحوال ذويهم بليلة وضحاها، وأضحوا إمّا عاطلين عن العمل إمّا عاملين بأجرٍ وضيع. والفريقان سواسية في الطوابير أمّام الأفران تارةً، ومحطّات البنزين تارةً أخرى.
بصرف النظر عن الحالة النفسية تلك، التي زلزلت كياننا الوطني، حاولنا معرفة مدى جهوزية الطلاب تربويًّا، فأخذنا عيّنة من المدارس الخاصة والرسمية، ومن الطلاب وذويهم، كانت كافية لتبيان مدى التفاوت في القدرة على إجراء الإمتحانات.
ستة طلاب من أسرة واحدة في عكار، بينهم طالب ثانوية عامة، لا أحد منهم يملك جهاز “لابتوب”، يتناوبون على استخدام جهازي هاتف محمول، واحد للوالد والآخر لهم مجتمعين “لم نكن ندرس شيئًا ولم نكن نفهم شيئًا” تقول طالبة منهم لـ “لبنان 24” “نحن لم نتمكن من متابعة كل الحصص التعليمية، كما عانينا من ضعف الإنترنت وانقطاع الكهرباء، أخوتي الصغار واجهوا صعوبات، فاضطر أهلي للاستعانة بمدرّسة خاصة”.
الوضع مختلف بالنسبة للمدارس الخاصة وطلابها، المسؤولة الإعلامية في مدرسة راهبات المحبة-كليمنصو ناتالي جبيلي وهي مدرّسة في صف البريفيه تتحدث لـ “لبنان 24” عن مرحلة ما قبل العودة إلى التعليم الحضوري وما بعدها “محق من يعتبر أنّه في البداية لم يكن هناك جهوزية متساوية، خدمة الإنترنت لم تكن متاحة لجميع طلابنا في كل الأوقات وكذلك الكهرباء واللابتوب، وهناك طلاب كانوا خارج البلد، عمدنا إلى التعويض بفيديوهات وأوراق مطبوعة. لكن الوضع اختلف بعد العودة إلى المدارس، الإدارة أصرّت على فتح المدارس من ال 7.30 صباحًا لغاية 2.30، رغم أنّ معظم الاساتذة كانوا قد استكملوا المناهج من خلال برنامج (Microsoft Teams)، لاسيّما وأنّ المناهج تقلّصت، أجرينا اختبارات تقييمًا للطلاب لقياس مدى فهمهم للمنهج، على أساسها وضع الأساتذة برامج لتغطية الضعف حيث وجد، وطلبت إدارة المدرسة من كلّ الاساتذة إعادة تدريس المنهج، التلاميذ تجاوبوا بدورهم رغم امتعاضهم في الأيام الأولى للعودة، وعملوا بكل نشاط واجتهاد، وبالفعل نحن وهم نرغب بإجراء الإمتحانات الرسمية، ليأخذوا حقّهم وينالوا الدرجات التي يستحقّونها. طلاب الثانوي أجروا Bac blanc ،وبعد الإنتهاء من التصحيح سيجتمعون بالأساتذة لمعرفة أخطائهم”.
أب لطالبين، أحدهما في الثانوية العامة في مدرسة رسمية، والآخر في البريفيه في مدرسة خاصة، يقول “التعليم عن بعد في المدرسة الخاصة كان أفضل من الرسمية، لكن عانينا من مشاكل عديدة، أبرزها عدم وجود جهاز كومبيوتر في المنزل، ومشكلة الكهرباء بحيث نحصل على ساعة ونصف تغذية بالتيار من أصل 24 ساعة، لذا نستعين بمعلّمة خاصة بالنسبة لطالب الثانوية العامة، بينما أساعد بنفسي ابني الآخر في البريفيه”.
مُدرّسة في ثانوية رسمية تحدثت بدورها “بطبيعة الحال يشعر طلابنا بخوف، ولكنّهم يفضلون إجراء امتحانات رسمية والحصول على شهادات وليس على إفادات، خصوصًا طلاب الثانوية العامة. لقد تمكنّنا من استكمال المنهج والجدّيون منهم أصبحوا على أتمّ استعداد. لكن هذا لا ينفي التحدّيات التي واجهتنا طيلة العام، من ضعف الإنترنت وعدم تمكّن بعض الأهالي من الإشتراك بالمولّدات، حتّى نحن كأساتذة ليس لدينا أجهزة كومبيوتر، لقد استعملتُ جهاز التلفون بعدما استبدلته بجهاز أحدث لقراءة برنامج الميكروسوفت، وقد وُعدنا بأجهزة كومبيوتر من الوزارة ولم تترجم الوعود”. تضيف “العودة إلى التعليم الحضوري كانت ضرورية وأراحت الطلاب، ومكّنتنا من مراقبة مدى استيعاب الطلاب وتجاوبهم على عكس التعليم عن بعد، بحيث يصعُب مواكبة عمل الطلاب”
ناظرة في ثانوية رسمية في قضاء الشوف تقول “تربويًا نحن وطلابنا جاهزون للإمتحانات، خلال التعليم عن بعد واجهنا مشاكل بالتأكيد، لكن تخطيناها من خلال التواصل مع الأهالي بشكل يومي، وإذا وجدنا أنّ طالبًا غير مشارك أو لا زال نائمًا اتصلنا بأهله لإيقاظه، ومن كان يعاني من ضعف خدمة الإنترنت عمدنا إلى تسجيل الحصص ونسخ الفروض وإرسالها عبر الواتس آب، لذا تمكّنا من إتمام المنهج عن بعد بجهود استثنائية، وعند العودة إلى التعليم الحضوري أجرينا مراجعة لكامل المنهج ، وهناك من احتاج لتعليم إضافي، ثم أجرينا ولا نزال الإختبارات المدرسية”.
برأيها الإفادات غير مستحبة خصوصًا بالنسبة للطلاب المسافرين لإستكمال تعليمهم في الخارج أو بالنسبة لبعض الوظائف التي تتطلب شهادات كالمدرسة الحربية، “لدينا طلاب كانوا قد حصلوا على إفادات العام الماضي، ثم سجّلوا طلبات حرّة هذا العام للحصول على شهادات”.
تحدثنا إلى عدد من أهالي طلاب المدارس الرسمية، وأجمعوا على عدم تساوي الفرص بين أبنائهم وزملاء لهم في مدارس خاصة، في ظل التفاوت بالظروف الإجتماعية للأهالي، الأمر الذي انعكس تفاوتًا في الحصول على تقنيات ومتطلبات التعليم أونلاين. وبالتالي لا يمكن الحديث عن معيار واحد في قياس مدى استعداد الطلاب للامتحانات الرسمية.
يبقى أن نشير إلى جواب أستاذ ثانوني متقاعد “هناك مبالغ مالية لا بأس بها يتقاضها الدائرون في فلك الإنتخابات” في السياق تسأل مصادر تربوية “هل تحول المنفعة المادية دون المطالبة بإلغاء الإمتحانات؟ ولماذا كل هذا الإصرار الذي يصل إلى حدّ العناد من قبل الوزارة ؟ وهل فعلا يعيش الوزير في لبناننا المنكوب ماليًا وخدماتيًا ام على كوكب آخر؟
كل هذا التوصيف بخانة ووضع البنزين بخانة أخرى، ماذا لو حلّ موعد الإمتحانات من دون معالجة أزمة المحروقات، أي “شي ثاني” سيستخدمه المراقبون والطلاب في رحلة الوصول إلى مراكز الإمتحانات؟