جيش ودولته ولم يبقَ شيء
بقلم: سمير عطا الله

 

النشرة الدولية –

تأسس الجيش اللبناني قبل سبعة عقود على أفضل وأرقى ما تبنى عليه الجيوش الوطنية الحديثة. بناه الأمير النبيل الجنرال فؤاد شهاب بعيداً عن غرائز وأنانيات وفساد وصغارات السياسيين. عزلهم عنه وعزله عنهم. وعندما أصبح رئيساً للجمهورية، حاول إقامة دولة على غرار الجيش. وأنشأ لها أحدث مؤسسات المحاسبة، واستعان في ذلك بأفضل خبراء أوروبا. وسلم السياسة الخارجية إلى أعقل اللبنانيين، ووقف على الحياد في صراعات العرب واختلال الانتماءات اللبنانية وجنون الحاقدين على بلدهم، وثقافة الخيانة الوطنية، بذريعة الانتماء القومي.

ورث الأمير خريطة نفسية مفككة ومقسمة وراح يرتقها ويشددها. اتهمه أغبياء المسيحيين بأنه لم يخرج من جذوره الإسلامية. وأخفق أغبياء المسلمين في إدراك رهانه على ضمانات البقاء والاستمرار.

لم تدم تجربة فؤاد شهاب طويلاً. خذله الضعفاء من حلفائه، وعاد لبنان يتلهى بالصغائر المفضية إلى الخراب. وتخلى خلفه شارل حلو عن جوهر الدولة من أجل مساحيقها. ثم سلم الكثير من سيادتها بحجة الحفاظ عليها. وتمزقت ولاءات الجيش وألويته. وضعف أمام إغراءات وضغوط الدول العربية التي أبعدها شهاب.

انتهى جيش الأمير وانتهت دولته، عندما قبض عسكريو ميشال عون على حلم لبنان بالدولة اللبنانية. أصبح الجيش فريقاً بين المسيحيين وفريقاً ضد المسلمين، وفرقاً تتربص ببعضها البعض. وضم عون رئاسة الحكومة إلى قيادة الجيش، وراح يهدد «بكسر رأس حافظ الأسد». وطلب لذلك مساعدة صدام حسين. ووصلت إلى لبنان مساعدات كثيرة، منها نصف مليون دولار من رفيق الحريري للجيش كل شهر، وزعت على شكل أكياس طحين وتنكات زيت وكراتين بطاطا.

الاثنين الماضي انعقد في جنيف مؤتمر دولي أعدته فرنسا لمساعدة الجيش اللبناني على تفادي الانهيار. كان البادئ أميركا التي ضخت 120 مليون دولار للمساعدة في وقف الانهيار. أهذا أنت، جيش لبنان؟

بعض لبنان يبكي، هل أصبح «لبنان الكبير» دولة تسول؟ وبعضهم يشكر فرنسا على ما تبقى لها من مشاعر الأمومة، فيما يضرب ميشال عون الأرض بقدمه والسماء بقبضتيه: لا أحد يأخذ توقيعي! لكن التوقيع على ماذا فخامة الرئيس؟ التوقيع على الليرة مثلاً؟ أم الألف؟ أم الزوال؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى