“قدامى التيار” والنتائج المخيّبة للآمال
بقلم: غادة حلاوي

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

منذ صدرت نتائج الإنتخابات النيابية اختفى أثر معارضي «التيار الوطني الحر». على خلاف العادة لم يخرج أيّ منهم لشرح ملابسات معركته وأسباب الخسارة وتحديد المسؤوليات، خاصة أنّ البعض منّى النفس بتشكيل لوائح والفوز بكتل نيابية ستقلب الأمور في مجلس النواب وتغيّر موازين القوى على الساحة المسيحية. من بين هؤلاء كان الجنرال شامل روكز أجرأهم الذي كتب عقب النتائج مباشرة معبّراً عن مرارة الخسارة ولكن…

 

كان أغلب الظن أن «قدامى التيار» المعارضين لرئيسه جبران باسيل سيحققون نتائج متقدّمة في الانتخابات النيابية للعام 2022. عدد من بينهم استعدّ لخوض المعركة مستبقاً موعد الانتخابات بشهور. لم تكن المفاجأة بخسارتهم بل في الأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع والتي بيّنت وجود خلل كبير سببه إما قانون الانتخاب أو التحالفات أو انعدام وجود حيثية تمثيلية وازنة.

 

لفترة طويلة ستكون الأرقام التي نالها المرشحون في الانتخابات النيابية موضع تحليل وتمحيص للبناء عليها. يصبح ذلك ضرورة حين يرفع المرشح من سقف طموحاته فيقع في تناقض بين الواقع والمرتجى. بلغة أدقّ كثرٌ خاضوا الانتخابات فخيّبت الأرض توقعاتهم. مرشحون خسروا معركتهم بفارق بسيط، وآخرون رفعوا سقف توقعاتهم فمنيوا بخسارة فادحة.

ماريو عون

من بين هؤلاء برز مرشحو المعارضة في «التيار الوطني الحر» أو ما اصطلح على تسميتهم «قدامى التيار» ممن كانوا في عداد المؤسسين لـ»التيار» وغادروه، اعتراضاً على «سياسة جبران» و»تفرّده بالقرار». كان من ضمن أهداف معركتهم «محاسبة باسيل والتأسيس لكتلة تنقذ البلد». خاض معارضو باسيل معركتهم في عدد من المناطق من بينها عاليه الشوف ودائرتا بيروت الأولى والثانية، بينما ترشح المعارضون كأفراد خارج الإطار الحزبي ولم يوفقوا مثل ماريو عون.

عند إعلان النتائج كتب العميد شامل روكز يقول: «إن طعم الخسارة مرّ». من الناحية التنظيمية يختلف وضع روكز عن وضع الآخرين لكنّهم جميعاً التقوا على هدف تسجيل الهدف في مرمى رئيس «التيار». وإذا كان روكز عبّر عن مرارة خسارته علناً فإن «قدامى التيار» لم يبرروا سبب خسارتهم بعد. بلغة الأرقام لم يلامس أي من المرشحين عتبة الألف صوت في دائرته الانتخابية، من ضمنهم النائبة سينتيا زرازير التي ربحت مقعداً بالصدفة ليس لكونها منشقة عن «التيار» أو معارضة لتوجهاته. بلغة الأرقام فإن نتيجتهم مجتمعين لم تبلغ 3000 صوت.

مقارنة مع حجم توقعاته يعتبر روكز الخاسر الأبرز في دائرة كسروان- جبيل. وهو من تحدّى قائلاً: «الناس لن يقبلوا بخسارتي وسأربح»، لم تتجاوز نتيجته هذه الدورة 620 صوتاً مقارنة مع 7000 صوت الدورة الماضية نالها يوم قال ميشال عون للناخبين «أنا شامل وشامل أنا»، ما يثبت أن الفوز كان لرمزيته العونية وليس لأي اعتبار آخر.

وفي دائرة بيروت الأولى برزت خسارة القيادي السابق في «التيار» زياد عبس الذي يعد مع جبران باسيل، عرّاب ورقة التفاهم مع «حزب الله» في العام 2006. أول المعترضين على تفرد باسيل بالقرار ترشح وصديقته الأقرب سينتيا زرازير على لائحة النائبة بولا يعقوبيان. في الدورة الماضية خاض معركته على رأس لائحة في حين كانت خسارته مدوّية في هذه الدورة أي بتراجع من 2500 صوت إلى 1000 صوت، بينما فازت سينتيا بمقعدها النيابي بنتيجة 484 صوتاً وهو فوز الصدفة بلغة تحليل الأرقام.

نعيم عون

ومن بين الترشيحات برز أيضاً ترشيح نعيم عون ورمزي كنج وفادي الأعور الملتزم بـ»التيار» في دائرة بعبدا، لم تتجاوز أرقام الأعور 33 صوتاً، ونعيم عون 565 صوتاً ورمزي كنج 226 صوتاً، أي أنهم معاً لم يحققوا 1000 صوت. المشكلة ليست في الأرقام هنا بل في كون المعارضين لم يتمكنوا من حجز مقاعدهم إلى جانب المجتمع المدني على اللوائح ذاتها. فالمجتمع المدني وقوى التغيير لم تعترف بحيثيتهم كمعارضة ما حوّل الهدف من ترشيحهم من خوض معركة إلى تسجيل موقف سياسي.

وفي المتن الشمالي لم تتجاوز نتيجة رندة عبود 188 صوتاً وقد خاضت معركتها على لائحة ميشال المر، وفاز جميل عبود عن المقعد الأرثوذكسي في مدينة طرابلس بنتيجة 79 صوتاً وأصبح نائباً في البرلمان اللبناني. وبرزت ثلاث مشاكل في الدامور والكحالة والحدث. وعد ماريو عون في الدامور بتجيير كل أصواته لرئيس «حزب التوحيد» المرشح وئام وهاب، علماً أن وهاب كان أبلغ مسبقاً أنه في حال فوزه لن يكون في التكتل النيابي مع «التيار الوطني الحر»، وكانت المفاجأة أن قوة عون التجييرية لم تتجاوز 95 صوتاً فهل هذا هو حجمه في الدامور؟

وفي عاليه وعد المرشح مارون أبي خليل تجيير أصواته في الكحالة إلى طارق خير الله فحصل على 70 صوتاً يقابله سيزار أبي خليل 626 صوتاً، وفي الحدث اختار أن يعطي أصواته لمرشح الشياح فادي أبو رحال فأعطاه 111 صوتاً.

زياد عبس

في صيدا جزين، يعتبر «التيار» أن نقطة الخلل الرئيسية كانت في الخطاب السياسي بحيث عجز عن ايجاد آلية تعاون انتخابي مع الفريق الآخر، بينما أصرّ زياد أسود على الترشح وإلا تسبّب بمشكلة كانت قد تؤدي لخروجه من «التيار». كان المنتظر أن يتقدم على أمل أبو زيد انتخابياً، لكنّ الاثنين معاً ذاقا طعم الهزيمة. النتيجة يتحمّلها أسود الذي لم يترك لـ»التيار» صاحباً في دائرته الانتخابية، وسبق وقيل له عن صعوبة الاستمرار باللغة ذاتها ما يعرّض موقع «التيار» للخطر وهكذا حصل. حصد أسود ثمن خطابه الاستفزازي فكانت النتيجة صفر أصوات في صفوف الناخبين السنة، وعدم قبول الناخب الشيعي فضلاً عن حربه الضروس ضد أبو زيد. بفارق 2000 صوت تفضيلي نالها أبو زيد مني أسود بخسارة دفع «التيار الوطني» ثمنها. مع الأخذ بالاعتبار أن اللائحة حاصلها محصور بالأصوات المسيحية في جزين ما يعني تراجع قاعدة أسود المسيحية. لو كان «التيار» أصرّ على ترشيح أبو زيد لكان أمّن فوزه ومعه الدكتور سليم خوري مع مرشح سني أيضاً. لكن حسابات أسود خانته فخسر مقعده وعلى ما يبدو ابتدأ مشوار ابتعاده عن «التيار» تدريجياً بدليل لقاءاته المتعددة مع نائبة «القوات» غادة أيوب.

يحتاج معارضو «التيار» إلى مراجعة حساباتهم لوجود خلل ما ربما يكون مرتبطاً بقواعد اللعبة السياسية أو بالاعتقاد أن قاعدتهم الشعبية كمعارضين باتت أكبر بعد خروجهم من «التيار»، وأن معارضة باسيل وحدها لا سيما بعد 17 تشرين ستكون كفيلة بربحهم، وهذا لم يحصل فما نالوا أصوات جمهور «التيار» ولا وثقت بهم قوى التغيير وتماهت مع معركتهم، فهل أثبتت النتائج صحة مقولة إن المقاعد هي ملك «التيار» وليست ملك أشخاص وتتماهى مع قرارات قيادته؟

زر الذهاب إلى الأعلى