الجانب الخفي من محادثات الرئيسين بوتين وبايدن في جنيف

النشرة الدولية –

الثائر نيوز – اكرم كمال سريوي

من السذاجة الاعتقاد بأن ما دار في لقاء القمة بين الرئيسين الروسي فلادمير بوتين والأمريكي جو بايدن، هو ما تم الإعلان عنه أو ما قاله الرئيسان في المؤتمرين الصحافيين المنفردين لهما . ومن الطبيعي أن تتسرب بعض المعلومات عن النقاشات ، خاصة أن كلا الرئيسين أفصح عما دار بينهما في الاجتماع لدائرته الضيقة، رغم بقاء التسجيل الكامل للقاء سرياً .

وقبل الدخول في التفاصيل يقول مصدر روسي رفيع للثائر : يجب التوقف عند الوقائع التالية:

١- انعقدت القمة قبل نضوج موعدها، فالإدارة الأمريكية الجديدة لم تستكمل ملفاتها في عدة مواضيع خلافية مع موسكو بعد، للخوض في التفاصيل الآن، كما أنه لم تسبق القمة أي مفاوضات للوصول إلى تفاهمات أو اتفاقات ثنائية. ولهذا السبب أعلن الأمريكيون والروس على حد سواء، أنهم لا يتوقعون الكثير من النتائج الأيجابية للقاء.

٢- اختلاف أهداف اللقاء بين الرئيسين.

أراد بوتين انتزاع اعتراف أمريكي بندّية روسيا وموقعها كقطب ثانٍ في العالم، وجعلْ اللقاء مشابهاً للقائه مع دونالد ترامب عام ٢٠١٨، والذي خرج منه بوتين متفوقاً على خصمه ، الذي انهالت عليه انتقادات الصحافة الأمريكية بعد اللقاء. إضافة إلى ذلك أراد بوتين ضمان وقف المحاولات الأمريكية في دعم المعارضة الروسية ، ومحاولات تفكيك روسيا ومحاصرتها وتهديد زعامته.

أما بايدن فهو كان يريد أن يكون لقاؤه مع بوتين تكراراً لقمة رونالد ريغن مع غوربتشوف عام ١٩٨٥، اللقاء الذي مهد لتفكيك الاتحاد السوفياتي، وإنهاء الحرب الباردة. وأراده أيضاً تثبيتاً لموقع الولايات المتحدة الأول في قيادة العالم، وإملاء شروطها على الآخرين ، إضافة إلى تلميع صورته في عيون الأمريكيين، بالظهور كقائد خبير وجدير بزعامة العالم، وبشكل مختلف عن دونالد ترامب.

٣- انعقدت القمة على وقع توتر في العلاقات الأمريكية الروسية، وصل إلى حد القطيعة الدبلوماسية، إثر اتهامات متبادلة بالتدخل في الشؤون الداخلية.

فاتهم الأمريكيون روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وحمّلوها أيضاً مسؤولية الهجمات الألكترونية التي أصابت «كولونيال بايبلاين» شركة خطوط أنابيب النفط والغاز الأمريكية في أيار الماضي، ما تسبب بنقص في المحروقات في عدّة مدن أمريكية كبرى. فيما اتهم الروس إدارة بايدن بالسلوك العدواني اتجاه روسيا، وتقديم الدعم للمعارض الكسي نفالني، في محاولة لقلب النظام وزعزعة أمن روسيا ، هذا إضافة إلى عدة احتكاكات عسكرية كان آخرها عند دخول البوارج الأمريكية إلى البحر الأسود منذ الشهر تقريباً.

٤- جاء بايدن إلى القمة متحصناً بدعم الدول السبع الكبرى بعد لقاء لندن، إضافة إلى دعم دول حلف الأطلسي بعد لقاء بروكسل. أما بوتين فجاء كرئيس لروسيا حتى عام ٢٠٣٢ بعد أن ضمن ذلك من خلال التعديل الدستوري الأخير، عكس بايدن الذي يبلغ من العمر ٧٨ عاماً وستنتهي ولايته بعد أقل من أربع سنوات . إضافة إلى الترسانة النووية الروسية والتفوق النوعي في مجال الصواريخ، وحتى بعض الأسلحة التقليدية. والأهم من ذلك علاقته الجيدة مع خصوم أمريكا، بدءاً من المارد الصيني وكوريا الشمالية، وصولا إلى إيران وفنزويلا وعدة دول أُخرى في العالم .

ماذا حصل خلال اللقاء ؟

بدأ اللقاء بابتسامات صفراء تنم عن غياب الكيمياء بين الرئيسين، فبايدن كان فد سبق واتهم نظيره الروسي ب «القاتل» منذ فترة قصيرة، بعد أن كان اتهمه عام ٢٠١١ بأنه بلا روح. أما بوتين فتصرف بحذر رجل المخابرات ،الذي لا يثق بأحد ولا يُغفل أي تفصيل، وحتى المصافحة بين الرجلين كانت رسمية جداً، فبايدن الذي اعتاد أن يربت على كتف من يلتقيهم من رؤساء، التزم بوقفة شبه عسكرية، تجنباً لارتكاب أي خطأ أو هفوة أمام الصحافيين .

في اللقاء تبادل الرئيسان الهدايا ، فقدم بايدن لبوتين نظارات شمسية أمريكية الصنع من طراز فييتر المفضلة لديه، والذي يرتديها دائماً، والتي يستعملها الجيش الأمريكي منذ عام ١٩٧٨. وأهداه أيضاً منحوتة كريستال تمثّل الثور الأمريكي. وقدم بوتين لبايدن مجموعة أقلام روسية مزركشة تقليدية معروفة باسم خوخلوما.

بدأ الحديث عن مواضيع عامة، تحدث بايدن عن والدته الإيرلندية وتربيته البيتية، وأنها كانت توصيه دائماً بالصدق وقول رأيه بحرية، وقدم شرحاً عن ظروف مقابلته الصحافية، ووصفه لبوتين بالقاتل، فكانت هذه المقدمة بمثابة اعتذار قبله بوتين دون تعليق. ثم انتقل إلى الحديث عن قضايا عامة، أولها أن أمريكا لا تريد حرب باردة جديدة، وترغب في استمرار العمل مع روسيا لتثبيت الأمن الاستراتيجي وخفض عدد الرؤوس النووية ، وركّز بايدن على التدخل الروسي الذي حصل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والهجمات الالكترونية التي كان مصدرها موسكو. ثم تحدث بوتين عن النظرة الأمريكية العدائية لروسيا، ومحاولات دعم المعارضة الروسية ، ونفى الاتهامات الأمريكية واعتبر أنه يوجد إمكانية للتعاون وحل الخلافات بالطرق السلمية والديبلوماسية، وضرورة التعاون في مجال الأمن السيبراني،. وتم الاتفاق في هذا اللقاء على عودة السفيرين الأمريكي والروسي إلى العمل في سفاراتيهما في موسكو وواشنطن.

دام اللقاء ثلاث ساعات و ٢١ دقيقة ، وانتهى قبل الوقت المخصص له، ورغم عدم إعطاء أهمية من قبل الرئيسين لهذا الأمر، فلقد قال بايدن بعد اللقاء لمقربين منه : لا يمكنني الوثوق ببوتين، فهو براغماتي يعمل لمصلحة بلاده، وقد طلب مني صراحة وقف دعم المعارضة الروسية، فهو يخشى أننا نحاول تقويض عهده، وأنا أوضحت له أننا لن نستطيع القبول بوفاة الكسي نفالني في السجن، وإن حدث كهذا سيكون خطيراً على روسيا. ولقد قلت لبوتين ما جئت لأقوله. ووفقاً للمصدر لقد طلب بايدن من بوتين المساعدة في موضوعي أفغانستان وايران، وكذلك ضمان أمن الملاحة الجوية في ممر شمال البلطيق، والمح إلى الاحتكاكات الجوية الأخيرة التي حصلت هناك بين الطائرات الروسية وطائرات حلف الناتو. ورغم أن بوتين نفى أن يكون بحث مع بايدن مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، يقول المصدر أن بايدن وعد بتأجيل هذا الأمر الآن، مقابل تخفيف روسيا من دعمها للانفصاليين في دومباس . أما المواضيع الأخرى فتمت مناقشتها بشكل عام، حيث اتُفق على تمديد العمل بمعاهدة ستارت ٢ دون تعديل، ومتابعة الحوار حول القطب الشمالي، ولم يحظَ الشرق الأوسط بجانب كبير من النقاش، حيث تم الاتفاق على استمرار التنسيق العسكري في سوريا، والعمل معاً لمكافحة الاٍرهاب، دون التطرق لموضوع إعادة الإعمار، ولا إلى القضية الفلسطينية ومشروع السلام .

خرج بوتين مرتاحاً من اللقاء، وتحدث مدة ٥٠ دقيقة مع الصحافيين، وسألته مراسلة CNN عن قمع المعارضة في روسيا، فأجاب بوتين عن ما يتعرض له السود في أمريكا من ظلم، والهجوم على مبنى الكابيتول وقال لن نسمح أن يحدث ذلك في بلدنا. وعاد إلى بلاده منتصراً، ليحظى بإشادة من الصحافة الروسية، في المقابل كان بايدن حذراً جداً في مؤتمره الصحافي، الذي أجاب فيه على ٧ أسئلة فقط واستغرق ٢٠ دقيقة، وكان قد رفض أن يكون مشتركاً مع بوتين، رغم أن الأخير كان قد اقترح سابقاً، أن يكون الحوار علنياً، ويُنقل مباشرة على الهواء .

شنت فوكس نيوز والجمهوريون حملة انتقادات واسعة على بايدن، متّهمةً إياه بأنه لم يحقق شيئاً من لقائه مع بوتين، ووصفت اللقاء بأنه كان من أسوأ اللقاءات التي جرت بين رؤساء البلدين. ولكن بايدن يعلم جيداً أنه بحاجة إلى التهدئة مع روسيا، ليتفرغ بالدرجة الأولى إلى صراعه مع خصمه الاقتصادي الأول الصين، التي رجح الميزان التجاري بينها وبين الولايات المتحدةالأمريكية عام ٢٠٢٠ ، لصالحها بمبلغ ٢٩٥ مليار دولار .

يختم المصدر للثائر بالقول: لا يمكن اعتبار أن القمة فشلت، وبالرغم من النتائج المتواضعة، فهي أرست مبدأ الحوار بين البلدين ، والذي سيُترجم لاحقاً بتخفيف للتوتر في عدة مناطق ساخنة، وكذلك سنرى لقاءات قريبة على مستوى وزراء الخارجية، لوضع تفاصيل بعض التفاهمات الكبرى ، بدايةً فيما يتعلق بخطة الأمن السيبراني، وتالياً العقوبات الأمريكية على روسيا وخط السيل الشمالي ، ومسألة حل النزاعات العسكرية ، والتي سيكون الوضع في الشرق الأوسط وسوريا تحديداً من ضمنها طبعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button