دولة الموت: بين التجار والمستشفيات.. أدوية السرطان مفقودة في لبنان

النشرة الدولية –

المدن –

يخسر مرضى السرطان في لبنان صحتهم وأعمارهم تدريجياً، ليس بفعل المرض وحسب بل بفعل فاعل، حرمهم من الحصول على الدواء المطلوب وبالتوقيت اللازم. يعيش مرضى السرطان اليوم في لبنان كمن حُكم عليه بالإعدام، فأدوية السرطان غير متوفرة، وفي حال توفّرها فإن تسعيرها يتم حصراً بالدولار “الفريش”. وهو ما يعجز عن تأمينه كثر من المرضى وذويهم.

بشهادات ممرضين وأطباء في العديد من المستشفيات، فإن مئات من مرضى السرطان توقفوا عن تلقي علاجاتهم بسبب فقدان الأدوية اللازمة، وتسعير ما هو متوفر منها بالدولار فقط. وليس هذا وحسب، فقد تردّد على ألسنة البعض بأن مرضى استحصلوا على أدوية سرطان تبيّن فيما بعد انها مزوّرة.. من المسؤول عن هذه الجرائم المتسلسلة التي ترتكب بحق المرضى؟ من يقف وراء فقدان أدوية السرطان؟ وأين وزارة الصحة -والحكومة من بعدها- من أزمة غياب التمويل لدعم أدوية السرطان؟ وهل لا تزال تلك الأدوية مدعومة فعلاً؟

دولة الموت: بين التجار والمستشفيات.. أدوية السرطان مفقودة

الدعم لم يُرفع ولكن..

لم يُرفع الدعم عن أدوية الأمراض السرطانية، لكن في الواقع، الأموال غير متوفرة. فما الفائدة من إبقاء دعم من دون أموال؟ منذ أكثر من شهر أعلنت وزارة الصحة العامة عن آلية يتم اعتمادها لتوفير أكبر قدر ممكن من كمية الأدوية المدعومة. وأعلن وزير الصحة فراس الابيض حينها، سعيه وبالتشاور مع الجمعيات العلمية للأمراض السرطانية، إلى تحديد الدواءين الأرخص ثمناً، من ضمن المجموعة التي تحتوي على التركيبة العلاجية نفسها، وإيرادهما في اللائحة التي تحظى على دعم كامل بنسبة مئة في المئة، باعتبار أن هذا التصنيف يحفظ للمريض دواءه بالتركيبة الفعالة المطلوبة والجودة المضمونة من جهة، كما يؤمن من جهة ثانية الاستفادة إلى أقصى قدر من أموال الدعم لشراء أكبر كمية من الأدوية. اعتقدت الوزارة أنها بهذه الطريقة تضمن وصول الدعم للمريض وليس للتاجر.

ولكن النتيجة أتت بخلاف ذلك، فلا أدوية سرطانية متوفرة لكافة المرضى. أما ما هو متوفر فيتم بيعه في بعض الصيدليات وعدد من التجار بأسعار خيالية تفوق أضعاف سعرها الحقيقي، حتى انه يكاد لا يمر يوم إلا ونشهد فيه إعلانات ودعوات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لطلب العون من جميعات وأفراد للبحث عن دواء لمريض سرطان.

نعم لم يتم رفع الدعم كلّياً عن أدوية السرطان، وهو ما أكدته وزارة الصحة أكثر من مرة، لكن أين هي الأموال المخصصة لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية؟ 35 مليون دولار المرصودة للأدوية الأكثر إلحاحاً، والتي بطبيعة الحال لا تكفي لتغطية كلفة كلّ الأدوية السرطانية، هي رغم ذلك غير متوفرة. والسبب تأخير مصرف لبنان بفتح الاعتمادات المصرفية للمستوردين.

انفراجات قريبة!

ما يحصل اليوم أن رفع الدعم الأخير طال كافة الأدوية المزمنة، وأبقى على معظم الأدوية المستعصية والسرطانية، باستثناء الأدوية السرطانية التي لديها جنيريك (أدوية جنيسية) أو أكثر من ماركة أدنى منها سعراً، أما الأدوية السرطانية التي تم رفع الدعم عنها كلّياً فهي الحبوب وليس الحقن التي يتم إعطاؤها للمريض في المستشفيات. فهذه الادوية لا بدائل جينيريك لها.

وعلى الرغم من الإبقاء على دعم الأدوية السرطانية (الحقن)، تعمد العديد من المستشفيات ومراكز علاج السرطان على فرض فروقات مالية خيالية وغير مبررة على مرضى السرطان لتغطية تكاليف علاجهم، في محاولة لابتزازهم في ظل غياب الخيارات أمامهم من جهة، وبالنظر إلى عجز السلطات الرقابية المختصة عن ملاحقتهم ومحاسبتهم من جهة أخرى.

أما باقي الأدوية المخصّصة لعلاج الأمراض السرطانية والمستعصية والتي لا يزال يشملها الدعم، فلا تتوفر بالسوق بانتظار فتح مصرف لبنان الاعتمادات المالية اللازمة لها. فالأدوية التي يطيح فقدانها بآمال مئات المرضى وربما الآلاف ويقصّر من أعمارهم، منها ما هو مخزن بمستودعات المستوردين بانتظار الإفراج عن أموالهم، ومنها ما هو في طريق الاستيراد بانتظار فتح الاعتمادات المصرفية.

وحسب مصدر لـ”المدن”، فإن انفراجات مرتقبة خلال أسابيع بالحد الأقصى، سيتم خلالها تغذية السوق بحاجته من الأدوية السرطانية والمستعصية. وإلى ذلك الحين لا عزاء للمرضى بوجه تجار يتحكّمون بحياتهم، ووزارة صحة تتهاون باتخاذ إجراءات عقابية قانونية بحق المستشفيات والمراكز العلاجية للأمراض السرطانية والتجار وكل من يُلحق الضرر بصحة المرضى في سبيل تحقيق أرباح غير مشروعة.

وقد أكد وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال، الدكتور فراس الابيض، في مؤتمر صحافي عقده اليوم الأربعاء 22 حزيران، على تذليل العقبات مع الشركات العالمية المصدّرة للأدوية، بعد توقف بعضها مؤخراً عن تصدير الأدوية المطلوبة إلى لبنان، بسبب تراكم الديون عليه، متوقعاً أن تكتفي السوق من حاجاتها للأدوية في الاشهر المقبلة. كما لفت إلى المباشرة في بحث موضوع استيراد الدواء مباشرة من قبل الدولة اللبنانية مستقبلاً.

أمام هذا الواقع الاستثنائي، وبالنظر إلى مخاطر انتظار مرضى السرطان لأشهر ريثما تتوفر أدويتهم، أليس على وزارة الصحة والأجهزة الأمنية القيام بإجراءات استثنائية، كأن تفتح مخازن المستوردين والتجار وتصرّف مخزونهم للمرضى؟ ألا يجب إعطاء الأولوية بشراء دولارات مصرف لبنان التي توزع يميناً ويساراً للتجار والسماسرة، لمرضى السرطان الذين يسابقون الزمن للاستحصال على أدويتهم؟

Back to top button