الاقتصاد الرقمي وتدفق البيانات
بقلم: مارجريت فيستاجر
النشرة الدولية –
ظهر أخيرا أحد الحلول التجريبية، ما يسمى بالمحكمة العليا على “فيسبوك” – وهي هيئة إشرافية مستقلة. أعتقد أنها فكرة جيدة. فجزء من احترام أي شركة لمسؤوليتها يتمثل في إنشاء آليات خاصة بها للمساءلة والشفافية. لكن هذا ليس كافيا بالضرورة، سواء في سياق الشفافية أو من وجهة نظر حماية المصلحة العامة. فلا شك أنها ستضع شروط وأحكام المستخدم الخاصة بها، وبعد ذلك ستسلك أيضا نهجها الخاص في التعامل مع المجتمع الأوسع. وأعتقد أنه بحكم العادة، سيحدث تداخل بدرجة كبيرة بين الاثنين. لكن من المهم أن نتحرى الشفافية حتى نتمكن من الاستمرار في مناقشة القضايا التي تقع في المنطقة الرمادية، مثل الخطاب الذي ربما يكون ضارا، لكنه لا يخالف القانون. هذه ليست مناقشة يمكن الانتهاء منها مرة واحدة وإلى الأبد. لهذا السبب، نحتاج إلى وضع إجراءات تهدف إلى الحفاظ على الشفافية، ويجب أن تستند هذه الإجراءات إلى إطار قانوني يطبق القواعد ذاتها على الجميع.
لذلك، لا يمكننا الاعتماد على الأعمال الفردية فقط. ورغم أنني أعتقد أن شركة فيسبوك حسنت أداءها حيث تعكف الآن على إزالة قدر كبير من المحتوى غير القانوني بشكل واضح إلا أنني أعتقد أيضا أن هذه العمليات لا بد أن ترتكز على تشريعات ينشئها ويناقشها ويعتمدها ممثلونا المنتخبون.
تنظم شركات التكنولوجيا الكبرى بوساطة عديد من الولايات القضائية لكن الاتحاد الأوروبي كان أكثر نشاطا في تطوير أطر قانونية جديدة، وقد أثبتت هذه الأطر أنها تشمل نطاقا عالميا واسعا، وهو ما أسميه “تأثير بروكسل”.
خير مثال على ذلك هو اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا. حيث امتثلت الشركات للائحة عبر عملياتها حول العالم، لأن هذا أسهل وأقل تكلفة من الإبقاء على ممارسات مختلفة في دول مختلفة. وبالمثل، ظهرت معايير بشأن خطاب الكراهية من خلال عديد من قواعد السلوك التي تفاوضت عليها هذه الشركات مع الاتحاد الأوروبي. واستخدم عديد من الحكومات الأخرى قانون الاتحاد الأوروبي نموذجا لقواعدها التنظيمية الخاصة. لذا، أشعر بالفضول لمعرفة ما إذا كنتم قد تضعون المستهلكين العالميين في الحسبان عند صياغة الضوابط التنظيمية.
أعتقد أنك محقة بشأن تأثير بروكسل. في الواقع، كانت أوروبا في الطليعة عندما أصدرت اللائحة العامة لحماية البيانات. وبدأ عديد من الآخرين الآن في اللحاق بها من خلال وضع تشريعات مشابهة، وإن لم تكن متطابقة تماما. أعتقد أن الهند هي أحدث مثال، إلى جانب عدد من الولايات الأمريكية.
عندما نصوغ تشريعات لأوروبا، ما نحاول فعله هو تحويل قيمنا إلى شيء حقيقي ملموس في الحياة اليومية. لكن قيمنا ليست أوروبية فقط. أعتقد أننا نتشارك شيئا جوهريا مع معظم الديمقراطيات عندما يتعلق الأمر باحترام النزاهة وكرامة كل فرد. وهذه ليست مجرد فكرة أوروبية. فهي أيضا فكرة أمريكية ويابانية وجنوب إفريقية. أعتقد أن هذا هو السبب في أن تشريعاتنا تلهم الآخرين، وآمل أن تستمر في ذلك، لأننا بحاجة إلى أن تتحد ديمقراطيات العالم.
لن يفضي هذا إلى إصدار قانون خدمات رقمية أو لائحة حماية بيانات على المستوى العالمي. لكن ربما نتوصل إلى توافق قانوني وعقلية مشتركة. فعلى مدى العامين الأخيرين، بدأ مزيد من الأفراد، والولايات القضائية، في التفكير على المنوال نفسه حول هذه القضايا. والحق: إن هذا تغيير جذري. تكمن المسألة الآن في معرفة كيف نترجم هذه العقلية المشتركة إلى أطر تشريعية.
بالطبع، آمل أن تصبح أوروبا مصدر إلهام في هذا الصدد أيضا. لكنني أيضا أشعر بالتواضع أمام حقيقة مفادها أن الآخرين يسلكون المسار ذاته ليس بالضرورة لأن طريقتنا هي أفضل طريقة لإنجاز الأشياء، لكن لأنها تعكس دافعا أساسيا للديمقراطية. مرة أخرى، نحن بحاجة إلى أن تتحد الديمقراطيات. فثمة تنافس منهجي ناشئ بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية. وفي اعتقادي، ينبغي لنا في الاتحاد الأوروبي أن نظهر أن الديمقراطيات لديها كثير مما تقدمه للناس في حياتهم اليومية.
بالطبع، في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، حدث انقسام عميق عبر الأطلسي حول عديد من قضايا السياسة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالاقتصاد الرقمي. ودار كثير من النقاش حول عدم التوافق فيما يتعلق بالتنظيم، أو تدفق البيانات، أو الضرائب الرقمية، أو مكافحة الاحتكار. ولا يزال بعض هذه الاختلافات قائمة إلى حد بعيد