تصعيد في اليمن ورضوخ بالعراق وتجميد في لبنان
بقلم: طوني فرنسيس
النشرة الدولية –
بين معاني رعاية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لاستعراض “الحشد الشعبي” العسكري، إشارة إلى احتمالات الصورة المقبلة للعراق والمنطقة بعد إنجاز العودة للاتفاق النووي بين أميركا وإيران. فـ”الحشد” الذي تنتسب فصائل أساسية فيه إلى الأجهزة الإيرانية زاد في الآونة الأخيرة من ضغوطه على الأوضاع الداخلية بالعراق، واتهم بهجمات على قواعد عسكرية وتنظيم تظاهرات مسلحة ضد السلطة المركزية، وباغتيال ناشطين ضد الفساد والهيمنة الإيرانية، ووضع ذلك النشاط في إطار الضغوط الإيرانية لتحسين شروط التفاوض من جهة، وضمان موقع حاسم لـ”الحشد” مستقبلاً في تركيبة السلطة. وجاء العرض العسكري وحضور الكاظمي ليعلن احتمال نجاح إيران في ما تخطط له على امتداد بلاد الرافدين.
في بقاع التدخل الإيراني العربية الأخرى تنحو الأمور منحى مماثلاً في الجوهر، خلاصته تعزيز دور القوى المرتبطة بإيران خدمة لها وضماناً لدور محلي لاحق لهذه القوى. والتصعيد الحوثي المتواصل والفاشل منذ بدء الحديث عن مفاوضات فيينا ضد المناطق اليمنية والأراضي السعودية، استهدف كما في العراق تعزيز موقع إيران في المفاوضات وضمان الحصة الحاسمة للحوثي في التسوية اليمنية المفترضة.
وبطريقة أخرى يمارس أنصار إيران الدور نفسه في لبنان، حيث يتم تجميد الأزمة الحكومية على الرغم من الانهيار المتمادي ترقباً للأهداف إياها، مصير التفاوض النووي ومستقبل النفوذ الإيراني.
يتحرك هذا المشهد العربي العام على وقع تطورين؛ الأول محسوم، والثاني في طور الحسم، وبعد انتخابات رئاسية إيرانية نتيجتها الأولى “توحيد” جهاز السلطة بقيادة المرشد، وانتهاء الثرثرة السياسية عن إصلاحيين ومحافظين.
المحسوم هو القرار الأميركي بالانسحاب العسكري من المنطقة. ومع أن حجم ومضمون هذا الانسحاب لم تتضح تفاصيلهما كلياً، فإنه في نموذجه الأفغاني يقدم فكرة عن نتائجه المرتقبة. لقد تقدمت “طالبان” مع كل خطوة انسحاب، وربما لا تمر فترة قصيرة بعد اكتمال خروج القوات الأميركية، إلا وتكون أفغانستان بأكملها قد سقطت في قبضة “الإمارة” الطالبانية. وسيثير ذلك قلق الدول المجاورة، عدا عن فتحه صفحة جديدة من الصراعات الدموية الداخلية، إلا أنه في المقابل سيفتح شهية طهران في شأن تحقيق حلمها في طرد الوجود الأميركي من “غرب آسيا”، وترجمة ذلك في ظروف الانسحاب الأميركي المعلن، هي في وضع اليد على مقدرات هذه البلدان بواسطة الميليشيات المذهبية التي تديرها إيران.
لقد حذر كاتب كويتي من سقوط عاصمة عربية خامسة. إنه متشائم، ولكن الأمر يستحق التنبه. ففي ظروف الخروج الأميركي، واحتمالات العودة للاتفاق النووي من دون إدراج السياسة الإقليمية لطهران ضمن الاتفاق الجديد، لا شيء يمنع تمادي النظام الإيراني في مشروعه الفارسي الجديد.
فإذا كان الانكفاء الأميركي فرصة ملائمة، فإن العودة للاتفاق النووي من دون شروط، ستتيح فرصاً إضافية. سيكون رفع العقوبات خصوصاً عن الصادرات النفطية والإفراج عن أرصدة دعماً حاسماً للسلطة الإيرانية الموحدة بعد تعيين إبراهيم رئيسي رئيساً، وسيساعد هذه السلطة في زيادة دعمها المالي والتسليح لأذرعتها على امتداد الإقليم، من دون التعرض لانتقادات باهتة كالتي وجهها جواد ظريف سراً للحرس الثوري. وسيكون فيلق “القدس” طليعة في استكمال مشروع التوسع والسيطرة بإمكانات أفضل، لم تتوفر له في مرحلة العقوبات.
ستتضح الصورة الكاملة قريباً، ولا شك أن كل القوى الإقليمية تتهيأ للاحتمالات المقبلة، وهذا ما يفترض بالقوى العربية الفاعلة في الخليج ومصر خصوصاً أن تكون مستعدة له.