دروس مهمة من التاريخ
بقلم: د. دريد كمال سريوي

النشرة الدولية –

ظهر الجهاد المقدس مع بداية التاريخ الإسلامي، واستمر محافظاً على جاذبيته حتى اليوم. ومفهوم الجهاد متنوع ، وباتت الفكرة مألوفة لدى معظم الشعوب في العالم،  لكن فكرة الجهاد العسكري في  سبيل نشر  الدين أخذت  مكانها الواسع واستناداً إليها بدأ عهد الفتوحات الإسلامية.  ومنذ القرن السابع كانت المناطق الأوروبية عرضة للهجمات العربية أو ما عرف بالفتح الإسلامي، وفشلت عدة  محاولات لفتح القسطنطينية البيزنطية والعبور من خلالها نحو أوروبا، وبحلول القرن الثامن تمكنت الجيوش العربية الإسلامية التي عبرت عن طريق غرب أوروبا، وتقدمت وراء جبال البيرينيه مهددة فرنسا، فتصدى لهم الجيش الفرنسي بقيادة شارل مارتل ووقعت معركة بواتييه في تشرين الأول من العام 732م ، وهٌزم فيها المسلمون. وتعتبر تلك المعركة السبب  الأبرز في إيقاف   الزحف الإسلامي   نحو   فرنسا.

بعدها   بدأت حروب  الاسترداد أو  حروب الإعادة ويطلق عليها الإسبان Reconquista  أي استعادة الإسبان لأرضهم، وبدأت بمعركة  كوفا دونجا سنة    718م وانتهت  في   العام  1491م  بسقوط   دولة    بني   الأحمر في    غرناطة  سنة   1492م  وتمكنوا  من   إجلاء  العرب عن  المناطق  التي  احتلوها في شبه   الجزيرة   الإيبيرية وإيطاليا.

ومع بداية القرن الحادي عشر ونتيجة للأوضاع  الاقتصادية  الصعبة في  أوروبا، وضعف الكنيسة الأرثوذكسية،  بدأت الفكرة  في أوروبا  الغربية،  وتبنتها الكنيسة  الكاثوليكية،  بالدعوة إلى  الجهاد الديني، في سبيل  استرجاع الاماكن المقدسة، وتوحيد الكنيسة من   جديد. فانطلقت الحملات الصليبية  نحو الشرق، وفي  العام   1099م    سقطت  القدس   في   أيدي  الصليبيين،  وكان  ذلك   مبعث  فخر في  القارة   الأوروبية،  وأسس الصليبيون  أربع  ممالك في الشرق هي؛ أنطاكيا، الرها،  طرابلس، والقدس.  وظلت القدس في أيدي  الصليبيين حتى تمكن  السلطان    صلاح  الدين  الأيوبي  من   استرجاعها في  العام   1187م، وحتى  اليوم ما زالت  تلك المعركة مبعث   فخر  للعرب.

وفي  العام  1453م تمكن المسلمون الأتراك من فتح القسطنطينية، وشكّل ذلك ضربة موجعة للأوروبيين ، حيث كانت المدينة تشكل حاجزاً أمام التوغل الإسلامي في ألقارة الأوروبية ، وغدت المدينة عاصمة لسلاطين  بني عثمان، وعرف السلطان العثماني برئيس المسلمين أو خليفة المسلمين السنة بصفته رئيساً دينياً وسياسياً للسلطنة العثمانية والمجتمع المسلم، بعد أن  انتقلت الخلافة من الخليفة العباسي المتوكل على الله الى السلطان سليم الأول بالرضى والقبول. وفي آذار العام 1924م ألغى الأتراك منصب  الخلافة التي استمرت ثلاثة عشر قرناً رمزاً لوحدة المسلمين وهويتهم.

ويفسر العلماء الغربيون كلمة  «صليبية» اليوم بالحملة الموجّهة أخلاقياً  لخدمة الصالح العام، أو في سبيل خدمة اجتماعية إنسانية. وتمكنت الفعاليات الأوروبية من التغلغل في العالم الإسلامي، عن طريق التوسع التجاري والغزو والاحتلال ، ففرضت فرنسا هيمنتها على الجزائر في العام 1830م، وتمددت نحو تونس في العام 1881م،  والمغرب في العام 1911م . واحتلت بريطانيا مصر في العام 1882م،  وبعد الحرب العالمية الأولى بلغ التدخل الغربي ذروته بعد هزيمة السلطنة العثمانية في العام1918م، وقسّمت الدول المنتصرة في الحرب،  مقاطعات السلطنة العثمانية إلى دول، ورسمت حدود جديدة بين العراق وسوريا ولبنان  وفلسطين،  وقسّم   الإنكليز لاحقاً فلسطين، واستحدثوا   تقسيماً بين  ضفتي  الأردن ، وسُميت الضفة الشرقية الأردن، واحتُفظ باسم فلسطين على الضفة  الغربية، وعهدت إدارتها إلى فرنسا وبريطانيا من قبل عصبة الأمم المتحدة،  ودعمت هذه الدول  أنظمة الحكم ضد حركات التطوير في العالم العربي،  وبيَّنت  أن الشعوب العربية غير قادرة على بناء مجتمع ديمقراطي، ولا بد أن يتولى الحكم حكام أصدقاء للدول الغربية، ومن الخطأ العبث بالأنظمة القائمة. وكانت السياسات الخارجية الغربية تتوافق مع مصالح بعض الحكام العرب، الذين  مات مئات الألوف من شعوبهم، في سوريا، والعراق، وليبيا، والسودان، ولبنان، واليمن، في   حروب  مختلفة. كما شجع الحرمان ودول الغرب مفاهيم التعصب الأعمى والكراهية للآخرين، واتضح من مواقف الدول الغربية بأنها لا تبالي بما يفعله الحكام  العرب، طالما هناك تعاون وتأمين للمصالح.

والعالم العربي مبتلٍ بالفقر والحرمان  والجهل، وقد يكون العالم الاسلامي برمته… ويُلقي كثيرون اللوم على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية،  معتبرين أن الفقر سببه الهيمنة الأمريكية على اقتصاد الشرق الأوسط واستغلال ثرواته.  ولا فرق في العالم العربي بين النظام الجمهوري ، والملكي ، والأميري،  فغالبيتها  تتبع شخص واحد، ومن الصعب العثور على حاكم تنازل عن حكمه عند انتهاء مدته، ولم يتمسك بها حتى النهاية. فانكفأ العالم الإسلامي إلى صراعات داخلية، أدت إلى انتشار الحركات الأصولية.  وفي العام 1991م تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج عام 1991م   وأسقطت حكم صدام حسين في العام 2003 ففتحت بذلك باب النزاعات الداخلية العرقية والدينية  والطائفية،  وتمدد النزاع داخل الدول العربية ، بدعم تركي إيراني  أميركي.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي ظهرت سياسة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، تهدف إلى منع قيام قوة إقليمية كبيرة، وتلك هي سياستها تجاه العراق وإيران ومصر وتركيا، كما أدى موقوف منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب العراق في حرب الخليج، إلى توقف الدعم الخليجي للمنظمة، ما دفع بها إلى الدخول في عملية السلام مع إسرائيل . واعتبرت الحركات الأصولية سلام أوسلو بالموقف المذل،  وراحت تنشط من جديد في عدة مناطق عربية، وتحولت إلى  مصدر   تخريب، وشكلت رمزاً للإرهاب  العالمي،  ومادة حيوية في الإعلام  الغربي والإسرائيلي، ومن الأهمية بمكان القول : أن ليس كل  إرهابي هو  مسلم،   وليست  كل الحركات  الأصولية  الإسلامية إرهابية، وليست كل الأنظمة العربية راعية للإرهاب.

المراجع :

1- برنارد   لويس ٢٠١٣ أزمة  الإسلام

2- أهم الفتوحات الإسلامية في   أوروبا  – مجلة   تبيان

3- الاسلام في   أوروبا- مجلة   عربي  بوست

4- قصة الحروب الصليبية. نسخة محفوظة 8 ديسمبر 2016 على موقع واي باك مشين.

‏5- La civilisation normande de Sicile, Bibliothèque en ligne, Clio.fr, 1990, consulté le 20 octobre 2008. نسخة محفوظة 03 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.

‏6-  “Croisades”. اطلع عليه بتاريخ 20 يناير 2017.

‏7-  Benjamin Kedar (Mai 2017), “Une installation faite pour durer”, L’Histoire (باللغة الفرنسية): 38 à 40

‏8- John Shertzer Hittell, “A Brief History of Culture” (1874) p.137: “In the two centuries of this warfare one million persons had been slain…” cited by White نسخة محفوظة 25 أبريل 2018 على موقع واي باك مشين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى