بايدن أفسد فرصة الفوز خلال اجتماعه مع بوتين!
بقلم: كليفورد ماي
النشرة الدولية
لطالما عبّر الرئيس الأميركي جو بايدن عن مخاوفه من جرائم بوتين المتعددة، منها المشاركة في قتل أكثر من 500 ألف سوري وتهجير ملايين آخرين، واحتلال مساحات واسعة من أوكرانيا وجورجيا، واحتجاز بول ويلان وتريفور ريد، العنصرين السابقين في القوات البحرية الأميركية، والاعتداءات الإلكترونية التي أطلقها عملاء روسيا وترافقت مع خسائر مادية بمليارات الدولارات وأضعفت مئات الشبكات الخاصة والحكومية، وقمع وسائل الإعلام، بما في ذلك إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الحكومة الأميركية.
خلال القمة التي جمعت جو بايدن وفلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي، أخبر الرئيس الأميركي بوتين بأن العواقب ستكون “مدمّرة على روسيا” إذا مات المعارض الشجاع ألكسي نافالني في السجن بعد نجاته من محاولة اغتيال، لكن هل كان ذلك الموقف تحذيراً حقيقياً أم مجرّد توقّع؟ قُتِل عدد كبير من المعارضين الروس، داخلياً وخارجياً، من دون أن يواجه بوتين أي عواقب.
في مطلق الأحوال، أنكر بوتين أي تورط له في الجرائم الإلكترونية فقال: “تحصل معظم الاعتداءات الإلكترونية حول العالم انطلاقاً من الفضاء الإلكتروني الأميركي”.
وفي ملف حقوق الإنسان، زعم بوتين أن روسيا والولايات المتحدة متساويتان من الناحية الأخلاقية، فاعتبر الرئيس بايدن هذه المقارنة “سخيفة”، لكنه لم يبرر موقفه، ألا يناقض بايدن نفسه أصلاً بعدما أعلن أن الولايات المتحدة تعاني “عنصرية منهجية” وأن “الإرهاب المشتق من تفوّق أصحاب البشرة البيضاء هو أخطر تهديد على الوطن اليوم”؟
تبرز أيضاً أحجية أخرى: لماذا أنهى الرئيس بايدن، قبيل الاجتماع الأخير، المعارضة القديمة التي يبديها الحزبان الجمهوري والديموقراطي تجاه إنهاء مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يوصل الغاز الروسي إلى ألمانيا، ما يجعل برلين أكثر اتكالاً على موسكو؟ وما الداعي لمنح بوتين هذه الهدية، إلى جانب نظارات شمسية من طراز “أفياتور” وتمثال كريستال للثور الأميركي الذي يرمز إلى القوة والوحدة، ولا ننسى قرار تجميد حزمة المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا وتمديد معاهدة “ستارت الجديدة” خمس سنوات من دون تلقي شيء في المقابل؟
هل طُلِب من بوتين أن يقوم بالمثل؟ إذا رفض هذا الطلب، كان موقفه سيُعتبر مؤشراً على فشل اللقاء الثنائي، لكن لو اقتنع بوتين بتقديم تنازل كبير (إعادة الرهائن الأميركيين على الأقل)، كان اللقاء سينتهي بتحقيق إنجاز واضح لصالح بايدن، لكنه أضاع هذه الفرصة.
حقق بوتين من جهته هدفه الأساسي: لقد أراد أن يعتبره العالم “خصماً ذات أهمية كبرى” كما قال بايدن، وقد يكون الاقتصاد الروسي أصغر حجماً من الاقتصاد الإيطالي، لكن يملك بوتين ترسانة نووية استراتيجية ويعمل على تحديثها، ولديه قدرات عسكرية تقليدية أيضاً وهو لا يتردد في استعمالها لإعادة ترسيخ هيمنته في الإمبراطورية الروسية السوفياتية السابقة واسترجاع نفوذه في الشرق الأوسط. كان يكفي إذاً أن يدعوه الرئيس الأميركي الجديد إلى لقاء على ضفاف بحيرة جنيف المحايدة.
لكن رغم هذه الأحداث كلها، أصرّ عدد من المراسلين والمعلّقين على اعتبار اللقاء الذي امتد على ثلاث ساعات انتصاراً لبايدن، وكان العنوان الذي اختاره الصحافي ماكس بوت في صحيفة “واشنطن بوست” الأكثر مبالغة، فكتب: “بايدن مسح الابتسامة عن وجه بوتين”! لكنّ إزالة الأوشام ستكون أسهل من تحقيق هذا الهدف على أرض الواقع.
تثبت هذه المواقف أن الأميركيين لا يفهمون الحكام الروس بأي شكل، لقد ظنّ الرئيس أوباما أن خلاف واشنطن مع بوتين يمكن حلّه عبر “إعادة ضبط” العلاقات، لكنه كان مخطئاً، ثم ظن الرئيس ترامب أن بوتين سيصبح صديقه المقرب عبر أسلوب التملق، لكن لم يحصل ذلك.
اليوم، يظن بايدن أن بوتين يتوق إلى “إحراز التقدم في الأهداف المشتركة التي تتعلق بإرساء الاستقرار على المستوى الاستراتيجي وتجنب حرب باردة جديدة”. لكنها فكرة سخيفة!
عملياً، لا يُعتبر فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين لغزاً غامضاً، بل إنه عقيد سابق في الاستخبارات السوفياتية وهو يحب حُكم القياصرة ويحمل طموحات ستالينية، وما لم يدرك الرئيس بايدن هذا الواقع، فلن يتمكن من ابتكار سياسة ناجحة تجاه روسيا وحاكمها.