وشوشات ..
رانية مرعي
النشرة الدولية –
يقول الزمنُ ..
أتكئُ على عرش الخلود ، أراقبُ بصمت نزفَ أيامكم ..
أسهرُ مع أحلام العاشقين وأتقمصُ أدوار الساهرين المنتظرين على ضفاف الحنين .. ولحظة الاحتضار ، أشيح ناظريّ عن سكتة الأمل ..
لا أرتدي سواد الوداع ولا أذرفُ جمر الغياب .. فقد ولدتُ بلا رفيق .. كلّهم غادروني ولم أسأل عن الأسماء لأنّي بلا ذاكرة .. أسكنُ النسيان ..
يقولُ النور ..
أشرقُ من قلب الله ، أهبطُ وحيًا على ضلال الحائرين .. أرسمُ لهم دروبَ النجاة .. وأظلُّ أعتصرُ ألواني لأمحوَ لؤمَ العتمة التي تتفنّنُ في لعبة الخوف ..
أرتسمُ كحلًا في كلّ عينٍ صابرةٍ ابتلعَتها الظنون المتحركة فغارت في قعر الأحزان .. موؤودةً في التجاعيد المنهكة ..
يقولُ العمرُ ..
أمشي على مهلٍ ، والعيونُ ترشقني بالأمنيات .. أحملُ وزرَ القدر ، وأنا مثلُ الفكرة لا أعرف بدايتي ولا يومَ الوداع .. أذوبُ كشمعةِ الأعياد .. وحده الموت يعدُّ أيامي ليكتبني رقمًا على تخوم الذكرى ..
يقولُ الحلمُ ..
أتسلّلُ إلى الصور المهملة ، أنفضُ عنها غبار َ الموت وأضيء بها ليلًا أدهم يستجدي اللقاء .. أروي عطشَ أمنيةٍ عذراءَ بعناقٍ مع حبيب غريب ، يحملُ معه كلّ الأشواق ليعودَ في ليلٍ آخر إلى وطنٍ حدوده شفتين ..
يقولُ الصّمتُ ..
أحفظُ كلّ لغات البوح .. ولم أفشِ يومًا بسرّي إلى الصدى .. يمزّقني الألمُ وأتجرّعُ وحدي مرارة الكتمان .. تنتحرُ في حنجرتي الخرساء آلافُ الكلمات فألملمُ حكاياتي .. أوشوشُها على مسامع القلب وأتركها أمانةً في ذمّة النبض ..
يقولُ العطرُ ..
أسيلُ على جمرِ اللهفة .. أتغلغلُ في الحواس لتعتنقني روح الحياة ..أسيّجُ مملكتي برذاذٍ خفيّ ليهتديَ ذلك الضائعُ في متاهةِ الأسماء .. أحاصرُهُ من كلّ صوب ليغرقَ في رائحةٍ تيّمت قلبَ الربيع ..
يقولُ الوداعُ ..
أعيشُ في حقائب الرّحيل الباردة .. أحملُ جواز سفرٍ وحكايةً حفظتها مطاراتُ الغياب .. غريبٌ أهربُ من كلّ المرايا التي ملّت من حنين سكن عينيّ واحتلّ كلّ مساحات الشوق إلى أحبّة في وطن مهجور ..
يقولُ الحبُّ ..
أنا الحقيقةُ التي تنحني لها كلّ الأوهام .. أنا نفحةُ من روح الله ، أحيي القلوب التي شابَ نبضُها وأمسحُ عرقَ الانتظار عن جبين اللهفة .. أعانقُ المحبين الساهرين مع القمر وأسرقُ من شفاههم اعترافات عطرية في لحظة قدر .. وأعلّمُ الحياة كيف تسجدُ لكلّ من برّ بعهده مع الوفاء ..