صدور ديوان لعبدالله الجوعان.. الشاعر العروبي الجريء أعده للنشر د. خليفة الوقيان

النشرة الدولية –

صدر حديثاً ديوان عبدالله الجوعان (1911 – 1993م) عن منشورات «ذات السلاسل» حققه وأعده للنشر د. خليفة الوقيان، وجاء في مقدمته أن عبدالله محمد صالح الجوعان شاعر له موقعه بين مجايليه من شعراء الكويت، مثل: عبدالله علي الصانع، عبداللطيف إبراهيم النصف، حجي جاسم الحجي، فهد العسكر، أحمد السقاف، أحمد العدواني، عبدالله سنان، فاضل خلف، عبدالمحسن الرشيد البدر، عبدالله زكريا الأنصاري، عبدالله أحمد حسين الرومي، وقد حظي معظم هؤلاء الشعراء باهتمام الدارسين، إذ نُشرت أعمالهم – باستثناء النصف والرومي والجوعان – وأُقيمت دراسات عن تلك الأعمال الشعرية، في حين بقيت أعمال عبدالله الجوعان مفرّقة في الصحف، أو مخطوطة، لم ينتبه إليها الدارسون بالقدر المطلوب. ولم يأخذ مبدعها موقعه الحقيقي في تاريخ الحركة الشعرية في الكويت.

الشاعر الجريء

هو شاعر جريء في مواجهة الانحرافات، وفي بعض الأحيان تكون حماسته لموضوع القصيدة على حساب التجويد الفني، فتأتي القصيدة تقريرية مباشرة.

وفي بعض قصائده المخطوطة خاصة تفاوت في القيمة الفنية. وكنت متردداً في أمر نشرها، ثم رجحت خيار النشر، إذ قد يستفيد الدارسون من الدلالات الاجتماعية والسياسية لتلك النصوص، مع الانتباه إلى احتمال كونها من تجاربه المبكرة، التي لم يحرص على نشرها.

البدايات

كنت أتابع كتاباته الشعرية، المنشورة في الصحف الكويتية منذ أواخر عقد خمسينيات القرن الماضي، وكنت أشعر أنه بعيد عن الإعلان، والظهور في المنتديات الثقافية، وعرفت من بعد أن السبب يعود إلى قضائه شطراً من حياته في «قلعة الشقيف» بلبنان.

وحين بدأت في إعداد رسالتي للماجستير «القضية العربية في الشعر الكويتي»، في العام 1971 عُدت إلى قصائده القليلة المنشورة في الصحف، كما حصلت على مخطوطات لبضع قصائد له من ابنه حمد – رحمه الله – واستشهدت ببعض تلك القصائد في رسالتي التي أُجيزت في العام 1974 ونشرت في العام 1977.

وفي العام 1981 كتب الأستاذ خالد سعود الزيد أول ترجمة للشاعر عبدالله الجوعان في الجزء الثاني من كتابه القيّم «أدباء الكويت في قرنين»، كما نشر له قصيدة «دعوة إلى الإصلاح» وأبياتاً من قصيدته «من ماضي الكويت وحاضره»، وقال عنه في تلك الترجمة: «لا أعرف شاعراً غُمط حقه كهذا الشاعر، فقد ظل بعيداً عن عيون الراصدين لتاريخ الحركة الفكرية والأدبية طويلاًـ حتى جاء الأستاذ الشاعر الدكتور خليفة الوقيان فبسط دوره، وكشف عن دقائق المشكلات التي تطرق لها، فعراها في شعره؛ فشعره صورة لما يعانيه الإنسان العربي في الكويت، فهو يتسم بوضوح الرؤية، والهجوم على الهدف بشكل مباشر».

عملية البحث

وحين شرعت في إعداد مجموعة شعرية للجوعان، بحثت في موسوعات الأعلام، والمصادر الكويتية الأخرى عن أي معلومات أو دراسات تخص الشاعر فلم أجد سوى ما ذكره د. محمد حسن عبدالله في «الكشاف التحليلي للصحافة الكويتية في ربع قرن»، الصادر في العام 1974، إذ أشار إلى المظان التي نشر فيها قصائده بين العام 1958 والعام 1967. وكذلك ما ذكره الأستاذ خالد سعود الزيد في الجزء الثاني من كتابه «أدباء الكويت في قرنين»، يضاف إلى ذلك الترجمة المنشورة عنه في «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين»، الصادر في العام 2008.

وأرى أن أُسَر المبدعين من الشعراء وغيرهم يتحملون مسؤولية التقصير في حفظ أعمال ذويهم، ونشرها، ومن ثم تمكين الباحثين من الوصول إليها ودراستها، بدلاً من تركها عُرضة للضياع.

الإهمال والضياع

ويجدر أن نشير إلى أن الإهمال أدى إلى ضياع القدر الأكبر من نتاج أعلام الشعر الكويتي، الذين برزوا في العقود الأولى من القرن العشرين، مثل: عبداللطيف إبراهيم النصف، أحمد خالد المشاري، سيد مساعد الرفاعي، حجي بن جاسم الحجي.. فضلاً عن الذين سبقوهم من شعراء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

ولولا أن الشيخ عبدالعزيز الرشيد حفظ لنا نماذج من أشعار بعضهم في كتابه المهم «تاريخ الكويت» 1926، وفي مجلته «الكويت» 1928 لما عرفنا عنهم شيئاً.

قصاصات ومخطوطات

وقد أدركت أسرة شاعرنا عبدالله الجوعان هذه الحقيقة فسعت إلى جمع ما توافر لديها من أوراقه، وتسليمها إليَّ، تمهيداً للبحث عن بقية نتاجه الشعري، المفرق في الصحف، والمخطوط، وجمعه وتحقيقه، في مجموعة شعرية تحمل اسمه.

وتضم الأوراق قصاصات لصحف نشر فيها بعض قصائده، فضلاً عن مخطوطات بعض تلك القصائد، وبضع مخطوطات لقصائد لم يتأكد لديَّ نشرها في الصحف الكويتية من قبل.

واتضح أن قصاصات الصحف لا تحمل اسم الصحيفة أو تاريخ النشر في أغلب الأحيان، فضلاً عن عدم وضوح التصوير لكثير من القصائد.

وكان كتاب د. محمد حسن عبدالله مُسعفاً، إذ أرشدني إلى معرفة تاريخ النشر ومكانه للقصائد المنشورة بين العام 1958 والعام 1967. أما القصائد المنشورة منذ العام 1967 حتى العام 1993 تاريخ انتقاله إلى رحمة الله، فقد أمكن الوصول إلى معظمها عن طريق مكتبة الكويت الوطنية وأرشيف جريدة القبس الكويتية ومظانَّ أخرى.

وهناك احتمال أن تكون له قصائد ومقالات منشورة في الصحف اللبنانية، ولم تصلنا منها بصفة مؤكدة سوى قصيدة واحدة.

ومن المحتمل أن تكون بعض قصائده المنشورة في الصحف الكويتية منشورة في صحف لبنانية أيضاً.

إعادة الكتابة

ومن الملاحظ أن شاعرنا يعيد كتابة القصيدة – أحياناً – بأكثر من صورة، فيضيف إليها حيناً، ويحذف منها حيناً آخر، ويعدلها تارة، ويُغير عنوانها تارة أخرى، وسوف نعتمد الصورة الأخيرة التي انتهى إليها الشاعر عند نشر القصيدة، لكن حين تضم مخطوطة القصيدة أبياتاً تم حذفها عند النشر في الصحف، فسوف نثبت الأبيات المحذوفة، إذ إن الحذف كان – كما يبدو – لأسباب رقابية.

وفي حالات قليلة قام الشاعر بنشر القصيدة مرتين، مع إحداث تغيير في بعض الأبيات، وإضافة أبيات جديدة، وسوف ننشر القصيدتين متجاورتين في هذه الحال.

وفي إحدى الحالات نشر الشاعر قصيدة مكونة من ستة أبيات عنوانها «في ذكرى الشهيد جول جمال» ومن بعد تم العثور على مخطوطة هذه القصيدة – دون عنوان – فإذ هي تتكون من ستة عشر بيتاً، وبين النصين اختلافات في بعض الأبيات.

ومن الملاحظات الأخرى قيامه بكتابة مقدمات لبعض القصائد، تكون طويلة أحياناً.

جهد غير يسير

واقتضى إعداد مجموعة عبدالله الجوعان الشعرية بذل جهد غير يسير في قراءة النصوص قراءة صحيحة، وتحقيقها، وتصويب الأخطاء الطباعية وغيرها، ووضع الحواشي اللازمة والتعريف بالأعلام والأحداث، والفصل بين شطرَي بيت الشعر في حال التدوير، ويكثر التدوير عادة في بحر الخفيف، وفي مجزوء بحر الكامل، وهناك حالات قليلة لا يتم فيها الفصل بين الشطرين حين ينتهي صدر البيت بحرف مُشَدّد. إضافة إلى ترجمة الأبيات الأربعة التي مزج فيها اللغة العربية بالفارسية في بداية قصيدته «من ماضي الكويت وحاضرها».

تاريخ ولادته

ولدى تحقيق تاريخ ولادته يتبين أن الترجمتين اللتين نشرتا في «أدباء الكويت في قرنين» وفي «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» تشيران إلى أنه ولد في العام 1923، في حين يقول هو في قصيدة له نشرت في العام 1987:

رغم الثمانين من عمري وإن بدأت

بالسكّري المرض المشؤوم تؤذيني

الأمر الذي يعني أنه من مواليد العام 1907، غير أن أسرة الشاعر أكدت لي أنه ولد في العام 1911، كما تم التأكد من صحة هذا التاريخ 1911 لدى الاطلاع على صورة جواز سفره، وكان انتقاله إلى رحمة الله بتاريخ 1993/10/27.

تنوع الثقافة

ولشاعرنا عبدالله الجوعان مقالات عديدة، منشورة في الصحف الكويتية، وقد تكون له مقالات أخرى منشورة في الصحف اللبنانية، ومقالاته مُكثَّفة، وتتناول الهموم الوطنية والقومية؛ السياسية منها والاجتماعية.

وتكشف كتاباته الشعرية والنثرية عن تنوّع ثقافته، وتفتُّح أفقه الفكري، واستنارته، مع امتلاكه ناصية اللغة، ورصانة الأسلوب، ومما يلفت النظر أن الجيل الذي ينتمي إليه شاعرنا يمتاز بهذه الصفة، الأمر الذي يدل على الاهتمام الكبير بتنمية القدرات اللغوية خاصة، والثقافية بعامة.

الشاعر العروبي

وهو من قبلُ ومن بعدُ شاعر عروبي، يعيش هموم أمته العربية، يحزن لحزنها، ويفرح لفرحها.

كتب منتصراً للقضية الفلسطينية منذ العام 1948، وصولاً إلى تمجيد انتفاضة الحجارة، وأحب مصر، وأشاد بمكانتها المميزة بقوله:

إن مسَّ مِصرَ يا جمالُ أذى العِدى لن نستكينُ

وعشق لبنان، وهي في نظره: (لبنان دنيا الفن والشعر والنثر)

كفتكم حروبُ أهل لبنان إنها

حروبُ معاناة مدمرٍة تُزري

وانتصر لثورة اليمن حين أسقطت نظام الأئمة في العام 1962 وحيا دبي، وإنجازاتها على طريق التطور. ودعا إلى الوحدة العربية، ونبذ التفرق والخلافات.

أما قضايا وطنه الكويت فكان صريحاً وجريئاً في تناولها، ومنها ما يتعلق بالمحافظة على الهوية العربية للوطن.

قصائد في وحدة العُرب

حامٍ لنا هوَ في المكاره :: والليالي المظلماتْ

ولقد قضى شرف الإخاء :: بأن نكون له حُماةْ

مدّوا له أيدي العطاء :: فنِعْمَ أيدٍ معطياتْ

واستنصِروا الكرم السخّي :: على حروفٍ قاهراتْ

واجلوا عن الأهل الكروب :: فما الكروب ببقاقياتْ

إن أحسن الإخوان :: للإخوان في يوم الهباتْ

فالعُرْبُ شعبٌ واحدٌ :: وبوحدة العرب الحياةْ

كانوا جميعاً ثم فرّق :: شملهم قومٌ جُناةْ

وحوادثُ الأيام إذ ناموا :: وقد طال السُّباتْ

وخطوبُ دهرٍ نازلاتٌ :: أو خطوبٌ صاعقاتْ

واليومَ هبّ جميعُهم :: للمجد، والمجد التفات

في حملة تبرعات فلسطين عام 1948

بَني وطني من فاته الطعن فليجدْ :: بيمناه ما تسخو به نفسُه برّا

فما ضَرّ أن يعطي الفتى من نوالهِ :: «فلسطين» ما يجلى به ذلك الضرّا

فإِن من الفتيان من يدعم الفتى :: وإنَّ من الأقطار ما يدعم القُطرا

فلسطين: لو ينتابكم ما أصابها :: لشنت على ما نابكم غارة نكرا

ألا فاذكروها: واذكروا اخوة بها :: أَذاقَهمُ الباغي التشرّد والذعرا

فأمٌ بلا بنت: واختٌ بلا أَخٍ :: وصبيانُ بؤس عانقوا الويلَ والشرّا

وانظارهم في منزل العز والهدى :: معلقة تروي مآسيهم الكبرى

فَضَحّوا وجودوا بالعطاء فإنه :: على قدر ما يعطى الفتى يكسب الأجرا

ولا تتركوا أرض المسيح ابن مريم :: لعصبة كفار أحالوا الهدى كُفرا

وهُبّوا لأَخذ الثأَر من كلِّ (مقيد) :: وزجوا بني صهيون في ثورة حمرا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى