الحكومة خلفنا، ومساعٍ لبلورة تفاهم حول شخصية محايدة لرئاسة الجمهورية
اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
المغرّد
بات من الواضح جداً أنه يصعب الاتفاق في وقت قريب على حكومة جديدة، فمحاولة تعويم الحكومة الحالية مع بعض التعديل الطفيف، باءت بالفشل، واصطدمت بالشروط والشروط المضادة، وحرب البيانات بين السراي وميرنا الشالوحي.
وكون الفترة المتبقية من عهد الرئيس عون أصبحت أقل من أربعة أشهر، ويفصلنا أقل من شهرين عن الموعد الدستوري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يرى بعض السياسيين أنه يجب عدم إضاعة الوقت، والتركيز على الموضوع الأساس، أي انتخاب رئيس جديد للبلاد، ورسم معالم المرحلة القادمة لإنقاذ لبنان.
وفي هذا السياق أتت زيارة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، إلى غبطة البطريرك الراعي في الديمان، وكذلك زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى عين التينة، ولقاؤه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكان لافتاً تصريح جنبلاط، الذي أرسل فيه إشارة إيجابية باتجاه حزب الله، وموقفه من المقاومة، في معرض رده على سؤال، حول مسيّرات الحزب باتجاه حقل “كاريش” حيث قال جنبلاط: “العدو مش عبيقصر”.
يستشعر الجميع خطر الواقع الذي وصلت إليه البلاد، وحجم الأزمة والمسؤولية والمهام التي تنتظر العهد الجديد، بدءاً من تنفيذ الاصلاحات الداخلية، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى إعادة إصلاح علاقات لبنان مع الدول الصديقة، خاصة دول الخليج العربي، فالبلد يحتاج إلى مساعدات خارجية للنهوض من الكارثة الاقتصادية، التي حلّت به ومن دون الدعم العربي سيكون من شبه المستحيل تحقيق ذلك.
لكن انتخاب رئيس جديد أيضاً دونه عقبات، فخيار جبران باسيل أو سليمان فرنجية، المقرّبين من حزب الله، هو خيار صدامي، خاصة أن باسيل ما زال يخضع للعقوبات الأمريكية، وفرنجية حليف مقرّب جداً للرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي فإن انتخاب أحدهما، يعني أننا سنكون أمام ست سنوات جديدة من استمرار الأزمة، إذا لم نقل الأنهيار الشامل للبلد.
وفي نفس الخانة أيضا يمكن وضع ترشّح قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي لن يقبل به حزب الله، والبلد حسب رأي بعض الزعماء الوسطيين، لا يحتمل انقساماً وصداماً جديداً، قد يوصلنا إلى الفوضى أو الحرب الأهلية.
لو كان انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، يتم من قبل الشعب، لكان قائد الجيش، العماد جوزيف عون هو الأوفر حظاً، لمنصب الرئاسة، وذلك بسبب أدائه المتوازن في التعامل مع الأحداث التي مر بها لبنان، وثقة الشعب بدور الجيش، والحاجة إلى شخصية نزيهة حازمة وغير سياسية لانقاذ لبنان .
لكن في ظل البرلمان الحالي فالأمر بحتاج أولاً إلى تعديل دستوري، وهذا يتطلب ثلثي عدد أعضاء البرلمان، والكتل المسيحية تجاهر برفضها لوصول قائد الجيش. ففي حين سعى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إلى إقالة قائد الجيش، ترفض القوات اللبنانية وصوله وتعديل الدستور، وكذلك يعارض حزب الكتائب، وتيار المردة، انتخاب العماد جوزيف عون، بسبب الطموحات الرئاسية لكل من فرنجية والجميل.
قال سفير دولة أجنبية ل “الثائر”: من الصعب جداً أن يتفق المسيحيون الآن على مرشّح واحد (أو غالبيتهم على الأقل) كما حصل في المرة الماضية، عندما رشح سمير جعجع الرئيس الحالي ميشال عون، وبالتالي، لا بد من البحث عن شخصية توافقية، أقرب إلى الاقتصاد منها إلى السياسة، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأسماء التي تم تداولها قد سقطت في الفترة الماضية قي فخ الانتخابات، والخطاب العالي السقف، والمواقف الحادة من حزب الله، وبات وصول هؤلاء بمثابة تحدَ للحزب.
علمت “الثائر” أنه يتم في الكواليس، تداول عدد من أسماء المرشحين للرئاسة، أبرزهم رجل أعمال يعمل في قطاع النفط والغاز، تربطه علاقات جيدة مع دول الخليج العربي، وكذلك مع الأمريكيين، وعدد من المسؤولين الأوروبين، فيما يطرح آخرون أسم شخصية مصرفية، تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، ولديها خبرة واسعة مع صندوق النقد الدولي، ويرى هؤلاء أن عماد النهوض بلبنان هو إصلاح القطاع المصرفي، وإعادة الثقة به، لذلك نحتاج إلى شخص لديه الخبرة الكافية في هذا القطاع. وطرح البعض اسم شخصية محايدة من خارج النادي السياسي، باعتبار أن الأولوية في رئاسة الجمهورية، هي لوجود شخص محايد، وهذا يتوافق مع ما طرحه البطريرك الراعي في موضوع حياد لبنان، وهو سيكون قادراً على نسج علاقات جيدة مع جميع الأطراف في الداخل والخارج، في حين يتم إسناد مهمة المعالجة الاقتصادية، إلى الحكومة المقبلة، على أن تكون من اختصاصيين.
لا شك أن معركة الرئاسة فُتحت، ويبدو أن حزب الله ليّن موقفه، بسبب الظروف الأقتصادية الضاغطة، وبات أقرب إلى فكرة التوافق على رئيس جديد، مع باقي القوى السياسية، ولن يفرض مرشحاً وحيداً، كما حصل في المرة الماضية. وهذا ما دفع برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إلى إطلاق بارقة أمل بأن الأيام المقبلة قد تكون أفضل عندما قال : “المستقبل قد يتحسن بقليل من العقلانية”.
كما أن الرئيس عون ما زال يؤكد أنه سيترك قصر بعبدا عند انتهاء ولايته, وسيسلّم السلطة حتى ولو إلى حكومة تصريف أعمال. ورغم رغبة بعض من هم حول الرئيس ببقائه في القصر, ومحاولة إعداد فتاوى دستورية بهذا الشأن, يؤكد مصدر مطّلع: أن عون سيغادر قصر بعبدا ولن يبقى بعد انتهاء ولايته. فهو يرغب بالراحة, ولا يريدالدخول مجدداُ في معارك خاسرة ولا طائل منها. وهذا الموقف يدفع الفرقاء السياسين باتجاه انتخاب رئيس جديد, وعدم الدخول في الفراغ الذي سيدمر البلاد في حال حصوله.