فاعلية البنى الرقمية في التدريب والنشاط الثقافي… ما لها وما عليها
بقلم: فارعة السقاف
النشرة الدولية –
كتبت هذا المقال قبل أسبوع تقريبا، لكن ظروفي الخاصة دفعتني إلى تأجيل نشره، ثم فوجئت، منذ يومين، باستبيان موجز من الأديبة هدى الشوا متعلّق بإسهام البنى الرقمية في المجال الثقافي العربي خلال جائحة كورونا.
استوقفتني أسئلة استبيان الشوا التي صيغت بذكاء، مما دعاني إلى مراجعة المقال مرة أخرى، والتدقيق مجددا في تقييم نتائج تجربة “لوياك” ومؤسساتها التابعة فيما يتعلّق باستخدام المنصات الرقمية كوسيلة بديلة للتواصل مع الصغار والشباب في مجال التدريب وتطوير المهارات والأنشطة الثقافية والفنية المختلفة التي تقدمها “لوياك” وأكاديميتها للفنون.
عندما بدأت جائحة كورونا لم نتأخر في التحول الى البديل الرقمي، ففي بعض البرامج كان التحول سريعاً جدا خلال الأيام الأولى من الحجر، أي في مارس 2020، ربما لأننا استشعرنا الوضع قبل إعلان الحجر، فجاء استخدامنا للمنصات الرقمية نوعا ما عفويا وتلقائيا دون تدريب كاف، وبجهود فردية من المدربين أنفسهم، ولكن خلال 10 أيام كانت “لوياك”، بجميع فروعها ومؤسساتها التابعة، جاهزة للانطلاق نحو استخدام مؤسسى احترافي لمنصة الزوم باشتراكات رسمية مؤسسية تضمن خصوصية الورش وعدم الاختراق، كذلك تم تدريب كل الموظفين والمدربين والعاملين وأعضاء مجلس الإدارة في الكويت ولبنان والأردن في وقت قياسي على استخدام منصة الزوم، فكنّا جميعا جاهزين في بداية شهر أبريل 2020.
وحرصنا على استئناف أنشطتنا في أسرع وقت ممكن، خصوصا مع الأطفال والمراهقين
وفي مجالات الثقافة والفنون، بغرض التخفيف من حالة القلق والهلع التي صاحبت تلك التغييرات المباغتة في طريقة الحياة، وقد ساعدت تلك الأنشطة بالفعل الأطفال والمراهقين، وكذلك أولياء أمورهم، على التأقلم مع الوضع الجديد.
وبعد مرور شهر على الحجر، تأكد لدينا أن الجائحة ليست أمرًا مؤقتا، بل هي وضع قد يطول، وقد يؤدي الى مزيد من التداعيات النفسية والاقتصادية السلبية على أفراد المجتمع، فسارعنا الى التطوير ووضع بدائل متعددة لبرامجنا تسمح لنا بتقديم المادة الثقافية أو التدريبية بالشكل الأمثل، في ظل ما هو متاح ومتوافر.
ويمكننا القول بأن نتائج التحول الى التعليم أو التدريب الافتراضي كانت مُرضية، وربما ناجحة جداً بسبب رؤيتنا القائمة على أهمية التحديات في استفزاز المناخ الإبداعي بابتكار البدائل والحلول، وبإضافة عناصر مهمة لبرامجنا تمكننا من تحقيق تلك النتائج الإيجابية، وأحد أهم هذه العناصر هي الإفادة من خبرات عربية وعالمية مهمة ومميزة غير متوافرة بالكويت في مجالات متعددة كالإعلام والفنون وتطوير المهارات. كذلك تنبهنا مبكرا للسلبيات المحتملة للورش الافتراضية وتأثيرها على المستفيدين، مما دفعنا الى وضع معايير عالية للورش لضمان جودتها.
وإضافة الى ما تقدّم، ساعدنا التحول الى التدريب الافتراضي على استقطاب طلاب من دول عربية أخرى، مثل لبنان والأردن ودول الخليج، وهو ما ساهم في إثراء الجو العام للورشة، فالتنوع والتباعد الجغرافي شكّلا عنصرًا مهما في تكثيف الاستفادة لدى الطلاب وانسيابية التواصل الاجتماعي بينهم بدافع الفضول والحماس للتعرف على الآخر وخلق صداقات.
لكننا لا نستطيع أن ننفي أن التعليم الرقمي له جوانب سلبية تؤثر على مضمون المادة والبناء الحضاري وانخفاض مستوى التحصيل، بسبب ضعف التواصل المباشر.
وكان ضمن إجاباتي عن أحد أسئلة الأديبة الشوا، وهو متعلق بالفجوات والسلبيات، أننا اضطررنا إلى التنازل كميّا لا نوعيا من أجل الحفاظ على مستوى التحصيل، فمثلًا:-
أولاً: اضطررنا الى تخفيض كبير في عدد الطلاب المستفيدين في الورش، خصوصا الموجّهة للأطفال، فمن 10 أطفال في الواقعي الى 4 بحد أقصى، حتى يتمكن المدرب من متابعة الطفل وضمان تفاعله، وبالنسبة للكبار، انخفض العدد الى 10، فالتفاعل عبر الورش الافتراضية ضعيف مقارنة بالواقعية التي يتجاوب معها الطفل أسرع.
ثانياً: بعض الأنشطة واجهت تحديات في التجاوب مع الطلاب، وفي الفائدة المرجوة بسبب طبيعتها الحركية كالتمثيل ورغم الصعوبات والتحديات تابعنا العمل.
ثالثاً: بسبب التحديات المتمثلة في انخفاض استيعاب الأطفال وتفاعلهم من خلال المنصات الرقمية، فإنّ مدة الحصة الواحدة تقلصت من 50 الى 30 دقيقة، وزادت مدة الاستراحة بين حصص الأنشطة، فكانت تجعل إجمالي الإنتاجية في فترة الساعتين لا يتجاوز 1:30 الساعة.
لذلك لا ننفي انخفاض مستوى التحصيل لدى الصغار وصعوبة تطوير المهارات الحركية والفنية المطلوبة للطفل في الوقت المطلوب من خلال المنصات الرقمية. بل إننا، بعد فترة طويلة من الاستخدام، نتوقع أن تؤدي الى آثار جانبية سلبية على السلوك والنشاط الذهني.
أما بالنسبة لتجربة أكاديمية لوياك للفنون في مجال المعارض الفنية التشكيلية ومدى ملاءمتها، فإنّ المعرض التشكيلي “انهضي يا بيروت”، الذي يعدّ المعرض الافتراضي الأول الذي انطلق من الكويت، وحقق نجاحا غير مسبوق لعدة أسباب منها أن المعارض الافتراضية تصبح متاحة لعدد أكبر من الزائرين مقارنة بالمعارض الواقعية التي يكون روادها محدودين في الغالب.
إلا أنّ من أهم أسباب نجاح المعرض سرعة الاستجابة للحدث من جهة، وسرعة التجهيز وكفاءة التواصل والتوصيل من جهة أخرى، الأمر الذي تطلب الكثير من الجهد المضني المضاعف لكون الفنان والمشتري في مناطق مختلفة من العالم، فهذا النشاط الفني الاستثنائي المميز، وإن نجح، فإنّ تحدياته كثيرة كما هي فرصه، لذا فإنني أرجع السبب الى حُسن الإدارة والتسويق والتواصل الذي وقفت خلفه الفنانة أميرة بهبهاني (عضوة مجلس إدارة أكاديمية لوياك للفنون) وأعضاء الفريق الصغير الذي عمل معها.
بشكل عام، نستطيع أن نوجز أن للبنى الرقمية مزاياها في الحصول على فرص مميزة للتعلم من ذوي الخبرة من المحترفين المميزين عالميا أو عربيًا خارج الكويت، وتحفيز الفضول المعرفي لدى المتلقي بسبب دمج المشاركين من الشباب العرب في الدول العربية مع الشباب بالكويت، وفي ربط العالم بعضه ببعض، أما سلبياتها فهى انخفاض مستوى جودة التفاعل بين الطلاب والمدرب، وصعوبة تطوير المهارات المرتبطة بالحركة أو الفنون، وانخفاض أعداد المستفيدين، وتقليص فترة التدريب، مما يؤثر على التراكم المعرفي والتنمية البشرية بشكل عام، وغياب كل الأنشطة الثقافية التي تشترط التواصل الواقعي، مما يؤدي حتما الى تباطؤ وتيرة البناء الثقافي.
يمكن القول إنه برغم كل الاجتهادات الفردية والمؤسسية المتفانية التي بذلت ومازالت تبذل من قبل المهتمين بالشأن التنموي والثقافي في البلاد بغية الحفاظ على جزء ولو بسيط من النشاط الثقافي والفني، فإن الأمر كان، بلا شك، مرهقًا جدا لكل العاملين في هذا الشأن، الحريصين على جودة مخرجات التنمية البشرية والمهتمين بالشأن الثقافي.
في الختام، فإننا نتطلع بشوق شديد الى العودة للتواصل البشري الواقعي لمصلحة الإنسانية والبناء الحضاري، أما التواصل الرقمي فسيظل موجودا لاجتماعات أو ورش عبر القارات والمحيطات، ليكون التعليم والتنمية مزيجا متوازنا بين الواقعي والافتراضي.
* رئيسة مجلس إدارة منظمة لوياك