برامج التدريب والتوظيف للمشاريع الصغيرة سياسة مجدية لتعزيز تشغيل الشباب خلال تراجع الاقتصاد
النشرة الدولية –
لمدة ثلاث سنوات، حاول الشاب المغربي محمد عطاوي الحصول على وظيفة، لكنه لم يتلق ردا من الشركات التي تقدم بطلب لديها، فكانت الطريقة الوحيدة لكسب المال العمل في الشارع مع والده، إلى أن حصل على فرصة تدريب من إحدى المنظمات مكنته من إنشاء مشروعه والاستقرار في بلده بدلا من ركوب قوارب الموت.
يعمل عطاوي، البالغ من عمره 26 عاما، في مستودع للملابس المستعملة في مدينة طنجة المغربية، بعد أن التقى بمنظمة محلية، وهي أحد شركاء منظمة أوكسفام الدولية في المغرب قامت بتدريبه ضمن برنامج “المشاركة والتوظيف للشباب”.
ويعد عطاوي واحدا من الآلاف من الشباب الذين ساعدهم البرنامج في تحسين ظروفهم والحصول على وظيفة دائمة بالحد الأدنى للأجور والتأمين الصحي.
ويأمل في أن يكون قادرا على تأسيس أسرة، بدلا من القيام بمحاولة أخرى للوصول إلى أوروبا، والتي كانت خطته.
وتعتبر البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأعلى في العالم، وهي إلى حد كبير ظاهرة شبابية.
وتساعد المشاريع الصغيرة التي ترعاها المنظمات الدولية في تأمين التدريب للشباب والحد من التباين الهائل في إمكانية الوصول إلى الوظائف وإلى التأثير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتقليص هذا التباين الذي يؤدي إلى ترك العديد من الشباب في حالة من اليأس.
ويعمل برنامج “المشاركة والتوظيف للشباب”، من خلال شراكات عديدة، منها مع منظمات شبابية أو نسائية محلية لها صلات بالشباب وعلى معرفة بمشاكلهم في كل من المغرب وتونس ومصر والأردن. وتدخل ضمن الشركاء أيضا جامعات وشركات تنظيم الدورات الدراسية ومعاهد أخرى وشركات خاصة.
ويهدف إلى تحسين ظروف الشباب بشكل عام وخلق فرص عمل عبر المشاريع الصغيرة التي تفتح الأمل للشباب بإمكانية تأمين مستقبلهم في بلادهم والاستغناء عن فكرة الهروب نحو المجهول بالهجرة غير الشرعية.
في المقابل يبدي الشباب استعدادا ورغبة متزايدة في الارتقاء بأنفسهم، بمجرد أن يحصلوا على الفرصة لأول مرة، وأيضا القدرة على تحقيق تغييرات حقيقية في البنى التي تعيقهم.
ويهدف البرنامج إلى توفير فرص عمل مستدامة وآمنة، وتزويد الشباب بالمعرفة الحياتية وبالأدوات اللازمة للمشاركة بنشاط في حياة المجتمع. وتبني قضية الشباب وتعزيز الحوار بينهم وبين المؤسسات العامة والخاصة لتحسين الظروف بشكل عام، ولإزالة الحواجز أمامهم في دخول سوق العمل وفي المجتمع.
وتقوم منظمات الشباب التي يقودها الشباب أنفسهم في كثير من الأحيان بدور في تعزيز القدرة التنظيمية وذلك لتحقيق تأثير أكبر في مواجهة التحديات الجادة التي يواجهها الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وهذه التحديات لها عواقب على فرصهم المستقبلية، ومن شأنها أن تعيق التطور في المجتمع وتساهم في زعزعة استقرار البلدان.
وتتوقع منظمة أوكسفام أن تساهم من خلال مشاريعها في توفير موطن عمل لـ9500 شاب عربي وتطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية والحصول على عمل.
وتعتمد المنظمات الدولية المعنية بقضايا الشباب على التعاون مع المؤسسات الرسمية في الدول المعنية، خصوصا تلك التي تشهد أعلى معدلات الهجرة للشباب.
وأتمت وزارة الهجرة المصرية مؤخرا إنشاء المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، ويستهدف إنشاؤه عرض فرص العمل المتاحة في السوق الألمانية وإدماج العائدين من الخارج في المجتمع المصري اقتصاديا واجتماعيا.
وأعدت الوزارة خطة عمل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، شملت توظيف جهود وإمكانات مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والشراكة مع المنظمات الدولية؛ لنشر التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وتوفير فرص عمل وإيجاد بدائل للحد من هذه الظاهرة، وأدرجت مبادرة “مراكب النجاة” كمبادرة قومية لبناء الوعي وربط أهدافها بالأهداف الأممية للقضاء على الجوع والفقر والتعليم الجيد، وتم تخصيص 250 مليون جنيه بميزانية الدولة 2021 لدعم تنفيذ المبادرة في 70 قرية مصرية في مختلف أنحاء البلاد.
وأكد تقرير صادر عن وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج أنه تم تخصيص 250 مليون جنيه (الدولار الأميركي = 15.6 جنيه مصري) بميزانية الدولة 2021 لدعم تنفيذ المبادرة في 70 قرية على مستوى الجمهورية.
وتم عقد مجموعة من اللقاءات المباشرة مع شباب وطلاب المحافظات وبلغ عددهم 20 ألف شخص. وشملت مبادرة “مراكب النجاة” زيارة عدد من القرى المنتجة بهذه المحافظات بهدف دعم أصحاب الحرف بها، وتم الاتفاق على الاستفادة من المصريين في الخارج الأكثر خبرة في تعزيز مهارات أصحاب الورش والمصانع، بالإضافة إلى المشاركة في افتتاح مركز تدريب وتأهيل الشباب، الذي أنشأته وزارة القوى العاملة مع منظمة الهجرة الدولية بهدف تدريب الشباب.
ونجحت المبادرة في الوصول إلى ثلاثة ملايين شاب في ثلاث محافظات، وكذلك تدريب وتأهيل وتثقيف أكثر من ألف شاب من الجنسين في ثمانية مراكز بمحافظة الغربية.
وكشف التقرير عن الإعداد لإطلاق مشروع تأهيل الشباب للعمل بالوظائف الإلكترونية، بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي بمصر والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، ويستهدف بالمرحلة الأولى ألف شاب يتم تدريبهم عن بعد، للعمل في مجال التسويق والبيع الإلكتروني وخدمة الزبائن وكذلك ريادة الأعمال بذلك القطاع في ضوء تغيرات سوق العمل والاستجابة لتداعيات أزمة فايروس كورونا.
وناصر السيد في محافظة الأقصر واحد من الشباب المستفيد من مبادرة “مراكب النجاة” يحكي قصة نجاحه من خلال حصوله على تدريب وتأهيل لسوق العمل بعد التدريب على حرفة صناعة الأعمال الجلدية والتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.
وقال السيد إن المبادرة “أوضحت أن لنا قيمة في بلدنا، ومن الظلم أن أخرج بطرق غير شرعية إلى أي دولة في العالم وأدفع كل ما لدي وأضيع عمري وأموالي وأموال عائلتي من أجل أن أخوض مغامرة غير محسوبة دون أن أجد ما كنت أحلم به”.
وأضاف أنه من الأضمن له ولغيره من الشباب البقاء في بلدهم وإطلاق أي مشروع مهما كان متواضعا لكنه يضمن لهم الكرامة في بلدهم.
وفي ظل أزمة فايروس كورونا توقف عمل السيد كمرشد سياحي في محافظة الأقصر التي تعتمد على السياحة بنسبة 90 في المئة، واستفاد السيد من مبادرة “مراكب النجاة” لتعلم حرفة جيدة تؤمن له دخلا جيدا ويكسب بها احترام مجتمعه ويقول إنه تعلم صناعة حقائب متعددة الأنواع وكيفية تطوير أي فكرة لتنفيذها وكسب الدخل منها، فالمبادرة تدعم أي شاب يطمح للعمل والقيام بمشروع صغير بتأمين المعدات اللازمة له.
واستهدفت المبادرة واحدة من أكبر المحافظات المصرية المصدرة للهجرة غير الشرعية وهي محافظة الغربية، وأقامت مشروعات عديدة لتدريب وتشغيل الشباب.
وعلم سامح سعد (25 عاما) الحاصل على دبلوم صنايع في محافظة الغربية عن مبادرة تقوم بتدريب الشباب تمهيدا لتشغيلهم فتقدم لإحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تتعاون مع الحكومة وتلقى محاضرات للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى تدريب في مجال الرخام والغرانيت لفترة بلغت أربعين يوما.
وأكد أنه بعد مرور نحو خمسة أشهر على تدريبه حصل على فرصة عمل في أحد المشروعات القومية في مجال الرخام والغرانيت الذي اكتسب خبرة التدريب فيه، ويقول إن “العمل في البلد نعمة، فأنا أعمل حاليا براتب ثلاثة آلاف جنيه وأخضع للزيادة سنويا”.
الشباب مستعدون للارتقاء بأنفسهم بمجرد أن يحصلوا على الفرصة لأول مرة، وقادرون على تحقيق تغييرات حقيقية في البنى التي تعيقهم الشباب مستعدون للارتقاء بأنفسهم بمجرد أن يحصلوا على الفرصة لأول مرة، وقادرون على تحقيق تغييرات حقيقية في البنى التي تعيقهم
ويفيد صديقه كرم عبدالله (27 عاما) وهو فني بقطاع التعدين بأحد المشروعات القومية بأنه يشعر بالأمان بعد تدريبه ضمن المبادرة وحصوله على فرصة عمل في أحد المشروعات القومية، فمغامرة الهجرة غير الشرعية مخاطرة كبيرة وغير محسوبة أو مضمونة.
وأشار إلى أنه يعمل أسبوعا متواصلا بمقر العمل بالعين السخنة في مقابل الحصول على أسبوع إجازة يقوم خلاله بزيارة أسرته بالغربية، قائلا “أنا هنا بين أهلي أفضل من الإهانة خارج البلاد”.
ووجه رسالة للشباب الذين تراودهم أفكار بشأن الهجرة بشكل غير شرعي قائلا “لا تلقوا بأنفسكم في التهلكة ومصير مجهول، ولا تيأسوا أيضا في حال تأخر حصولكم على فرصة عمل ولكن ابحثوا كثيرا عن الفرص خاصة أن هناك الآلاف من الفرص التي توفرها الدولة حاليا للشباب في المشروعات القومية الجديدة في كل المجالات، لدي زملاء يعملون معي في المشروع من الإسكندرية لأسوان وجميعنا فخورون بالمشاركة في بناء بلدنا حتى تصبح مستقرة”.
ويرصد نيال أوهيغنز أخصائي الأبحاث في برامج توظيف الشباب في منظمة العمل الدولية أدلة جديدة على تدابير تعزيز فرص عمل الشباب، ابتداء بالاتجاه إلى زيادة المشروعات الصغيرة وانتهاء بنجاح سياسات الاقتصاد الكلي، عبر كتاب “التصدي لبطالة الشباب: دليل جديد على قضايا السياسات الأساسية”.
ويتناول الكتاب اتجاهات وسياسات التوظيف، ويبين أن الحكومات تستطيع التدخل بفعالية لتعزيز فرص عمل الشباب وتخفيض البطالة في صفوفهم من خلال تدابير على مستوى الاقتصاد الكلي. فالتوسع في الإنفاق العام مثلا عن طريق برامج توظيف وتدريب ضخمة مدعومة يعتبر سياسة مجدية لتعزيز تشغيل الشباب في فترات تراجع النشاط الاقتصادي.
وكي يصبح التمويل الحكومي أكثر جدوى، يجب أن يكون منظما نسبيا. لهذا عندما يحل الركود الاقتصادي، يجب المباشرة فورا في التوسع المالي قبل أن يؤدي التدهور الاقتصادي نفسه إلى تفاقم توازن الميزانية.
ومن الأمثلة على هذه المقاربة برنامج الضمان الشبابي الذي طبقه الاتحاد الأوروبي عام 2014، ويهدف إلى توفير التعليم المتميز والتدريب للفئات الشابة التي لا تحظى بفرص العمل أو التعليم. والبرنامج المذكور مصمم للتأقلم مع الدورات الاقتصادية حيث يتوسع أثناء تدهورها عندما ترتفع معدلات البطالة بين الشباب.
ويمكن أن تلعب برامج مماثلة لبرنامج الضمان الشبابي، وتتضمن دعما ماليا للشركات التي توظف الشباب، دورا فاعلا في تحفيز توظيف الشباب.
ولا بد أن تدوم هذه البرامج فترة طويلة تسمح للمشاركين باكتساب المهارات اللازمة و”إثبات ذواتهم” في بيئة العمل المحددة. كما يجب أن يكون الدعم سخيا لدرجة تجعله أكثر جذبا للشركات. ولكي يكون هذا الدعم فعالا ومجديا، يجب أن تستهدف فئات محددة من الشباب، مثل المعرضين لفترات بطالة مديدة. والأكثر أهمية من ذلك، يجب أن تتجنب برامج الدعم استبدال عاملين قدامى بشباب توظفوا حديثا عبر تلك البرامج. إن دعم الأجور مهم وفعال بوجه خاص في فترات الركود الاقتصادي عندما يكون الطلب على العمالة متدنيا.
والرسالة المهمة الأخرى للكتاب هي ضرورة التركيز على تشجيع مشاريع العمل الفردي الجيدة وروح الريادة. ورغم أن هذا التوجه غالبا ما يكون حلا للمشاكل بالنسبة إلى الأفراد والأسر التي تفتقر إلى فرص بديلة، فإنه ليس مجديا على الإطلاق على المستوى الشامل. كما أنه من الواضح أيضا أن برامج العمل الحر لا تستطيع بمفردها حل مشكلة توفير فرص العمل للشباب، لكنها جانب مكمل مفيد لبرامج التشغيل الأخرى كالتدريب ودعم الأجور.
وفي الدول ذات الدخول المرتفعة غالبا ما يتضمن بحث الشباب عن عمل أعمالا مؤقتة أو فرص عمل وتدريب دون أجر. أما في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط فإن ثلاثة من بين كل أربعة شباب يعملون في القطاع غير المنظم دون حماية أو مزايا أخرى كتلك الموجودة في القطاع المنظم، حيث ليست لديهم رواتب تقاعد أو تأمين صحي.
وبالنسبة إلى الشباب ذوي الشهادات العليا، تشكل الأعمال المؤقتة أو غير الرسمية مدخلا نحو وظائف أفضل. أما بالنسبة إلى الفئات الأخرى، خاصة ذوي التعليم المتدني، فغالبا ما تكون ورطة يعلقون بها.