قصتي مع العمر وسابع آخر من تموز
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
صحوت صباح هذا الاربعاء، السابع من تموز، 2021، لأجد ان عاما آخر قد أضيف الى ما مضى من عمري، قافزا بي عتبة أخرى، في حلم أوصتني به قبل عشرات السنين، خيرية موسى ايوب، والدتي يرحمها الله.
كعادتي ، كنت وما أزال، أثق بان العُمْرَ وَعَدُّ السنين، لا يليق كثيرا إلا بعشاق الحياة، الذين يعبرون قناطرها، ويحلقون في معارجها، ويغوصون في أعماقها، وقاماتهم منتصبة الى حيث احلامهم بصيرة، إتماما لمتعها واستكمالا لها.
لكل منا قِصَّته مع العمر وطموحاته وأحلامه. كلما ألحّ عقليَ سائلا عن البدايات، أحلِّقُ عاليا إلى هناك في فلسطين المحتلة، وتحديدا إلى وادي النسناس في حيفا. حيث قدّم رحمُ أمي بكرها الأوّل إلى الحياة. ومِنْ حينها نذرتني حُرّاً، كما أصرّت وحرصت على أن أكون. ومنذ تفتح بواكير وعيي، أُشفقتُ على نفسي، من كَمِّ ونَوعِ الطموحات التي اوصتني بها، وعناقيد الاحلام التي توقعها مني، قبل ان اعود الى رحم الارض.
تمضي سنون عبرت معها الكثير من المراحل وجودية ومعرفية وعاطفية كثيرة، أحسست خلالها أني أصير افضل. تألَّمَتْ روحي كثيرا. تعلّمَ عقلي أكثر. شذَّبتُ نفسيَ وهذَّبتها فوق ما تُطيق، لأعرِفَ ما يَصِحُّ، وأثق بما يليق.
معكم ما عدتُ أخشى وحدة، بل تيقنت مما أستطيع أن أعطيَ، وأدرى بما أريد. ومع هذا فما زلتُ أتوجَّس رهبةً، منْ كلِّ رماديٍّ في الحياة. فالرماديَّةُ مكتظَّةٌ بالاحتمالات العَدَميّة، وتحيقُ بها مخاطرُعابثة كثيرة.
تحرّرتُ من طين جسدي، وانفصلتُ عن الكثير مِما يشتهيه. أتوكأ على حدَسي في انتقاء ما أحب ومن أحب وفيما يُرضي قلبي، وما يستفزعقلي، ويُطارد هواجسه التي تؤرّقه.
وأنا أطوي المكان والزمان، وتجارب الفرح وعبورُ الحَزَنِ واستبداد الحُزْنِ ، تعلمتُ الكثيرَ من مهارات الجرأة في الرضا. وتعلمت الاعتكاف مع حدٍّ أدنى من أزيزِ صراصيرِ الليل، ورتابة نقيق ضفادع الحواف، وتشويشِ عبيد ماعزٍ ولو طار، وتهويمات التأويل الأرعن سيء الظن.
يا لَروعة حياةٍ أنت فيها لست أميرا ولا شَقيّا، لستَ بوهيميّا ولا انطوائيّا. ترتكزُ تجربتي مع الشيخوخة، على فهمٍ مُميز يرى الحياة كرقصة حب. تَمَتُّعٌ بالتجربة، دون تعلُّقٍ مفرطٍ بتداعيات النشوة.
لا تزهدوا بإغواءات الدنيا. فلا يزهد في تجلياتها إلا بخيلٌ أو عنينٌ أو أحمق أو جاحد عاق. أعدكم عندما لا أعود أحبها، أو لا يحتملني أحد منكم فيها، أن أُعلِنَ فورا موت الطين في جسدي.
والنهار الأول في عامي الجديد يقترب من نهايته، ها هي روحي وقلبي ولسان حالهما يقول لكل منكم، مع حفظ الأسماء والألقاب والمقامات والتمايز: أعلم أن الشكر وحده غيرُ كافٍ لكل من من حمل لي في قلبه حبا او لحظة جميلة، أو أهداني تقديرا، ولكل من دعى لي في باطن الغيب.
ولقلوب سليمة إحتوت بصبر كل شوائبي ونقائصي، وعن قُربٍ وبُعدٍ، نبّهتني لأخطائي وعاتبتني لسوء مزاجي.
وأعتذر ممن يكون قد إحتاجني وقَصَّرْت. ولِمن يكون قد إشتكى لي ولم أُواسيه. إلتمِسوا لي الأعذار، فلعلي كنت حينها في وادٍ غيرَ واديكم. ولكن يشهد الله، أني قد حاولتُ أن أبقى على النقاء.
ليتني أملكُ الكثيرَمِن قادمِ ألأيام، لأكْمِلَ إستمتاعي برفقتكم. أعدكم ان أبقى ، كما عهدتموني من أيام الصبا في شويكة، والشباب المبكر في طولكرم، والنضج الملتزم في الكويت والسعودية ولبنان والاردن، منتصب القامة مرفوع الهامة، صلباً أمشي مُوَلِّياً وجهي شطرَ كل حبة تراب في فلسطين المحتلة، لا أحمل أي قصفة زيتون لِمُحتل، وأن لا أهادنه. وأن أمقت ذاك العبث المسمى بسلام الشجعان، مع مغتصب دياري وأهلي فيها. وأن تبقى عيناي ترنو إليها صبحَ مساء، إلى أن تتحرر بالقوة، أو أن يتوقف عَدُّ العمر وأعود إليها راضياً مَرْضيا.
اللهمّ وضعفُ الطين يتمدد ويتعمق، لك شكر الحامدين المستغفرين، رب كل الناس أحسِنْ عمَلَي، وثَبِّتْ خُطاي على صراطك المستقيم. اللهم آمين.