أفغانستان مستهدفة وتهدّدها «طالبان» الإيرانية!
بقلم: صالح القلاب
النشرة الدولية –
لا بد من التأكيد في البداية على أن أفغانستان كانت قد تقلبت بين أْلسنة نيران احتلالات كثيرة وأنها عملياً لم تلتقط أنفاسها إلا في الفترة الأميركية، وأن إحدى مشاكلها الأساسية هي أنها دولة حبيسة، تقع في آسيا الوسطى وتحيط بها من الشمال طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان ومن الغرب إيران ومن الشرق الصين ومن الجنوب باكستان ثم وهي ذات موقع «جيواستراتيجي» وحلقة وصل بين آسيا ولذلك فإنها بقيت تشكل هدفاً للعديد من الشعوب الغازية وللفاتحين وعلى مدى فترات طويلة من التاريخ، ثم إنه قد قامت فيها الكثير من الدول والممالك ومن الكوشانيين والهياطلة والصفويين والساسانيين والغزنويين والتيموريّين والكثير من الممالك الأخرى التي كانت قد شكلت دولاً عظمى وكانت قد هيمنت على العديد من الدول المجاورة القريبة والبعيدة.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن أفغانستان هذه المهددة الآن بالتمزق وبسيطرة حركة طالبان فعلاً عليها بقيت تعاني من حروب أهلية مدمرة متلاحقة من بينها الحرب الأهلية التي تلت انقشاع الاحتلال السوفياتي عنها في عام 1989 والتي تتالت عليها بعد ذلك الانقلابات المتلاحقة وحتى سيطر الأميركيون عليها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالميين.
والمعروف أن هذا البلد، الذي لم تستقر الأوضاع فيه إلا لفترات قصيرة من بينها سيطرة القوات السوفياتية عليه في عهد حفيظ الله أمين وبابراك كارمال والذي يتكون من أربع وثلاثين ولاية كل ولاية منها تتصرف كدولة مستقلة في معظم الأحيان، وحيث إن السكان بصورة عامة يتكونون من مجموعات عرقية متعدّدة من بينها البشتون الذين يشكّلون أغلبية من نحو 62 في المائة ثم الطاجيك والهزارة والتركمان والأوزبك ومجموعات أخرى متعددة تشكل نحو 2.5 في المائة من عدد السكان من بينها أقلية عربية.
ولهذا فإنّ اللغات المتداولة في هذا البلد، بالإضافة إلى اللغة الفارسية الدرية واللغة البشتوية هي الأوزبكية والإنجليزية والتركمانية والأردية والبشائية والنورستانية والعربية والبلوشية، أما بالنسبة للدين فإنّ المسلمين السنة يشكّلون من السكان بين 84.7 في المائة و89.7 في المائة وذلك في حين أنّ المسلمين الشيعة «الهزارا» يشكلون بين 10 – 15 في المائة. أما بالنسبة للأقليات الصغيرة التي من بينها السيخ والهندوس وغيرهم فإنهم يشكلون نسبة 3 في المائة، وهنا فإنّ ما يغيّر هذه النسب كلها هي أنه كانت هناك ولا تزال متغيرات دائمة وأنّ حدود هذا البلد مفتوحة دائماً للداخلين والخارجين.
وهنا فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أنّ هذا البلد غير المستقر والذي بقيت تتناوب على حكمه أنظمة متلاحقة قد أعطى للإسلام والمسلمين، وخصوصاً العرب منهم، عدداً كبيراً من القادة العظماء ومن الرموز الإسلامية الفاعلة كجمال الدين الأفغاني وجلال الدين الرومي وأبو الفتح الشهرستاني وحقيقة ورغم كل هذه المتغيرات التي بقيت تمرُّ بها أفغانستان فإنها قد دأبت على إنجاب العديد من الكفاءات السياسية والثقافية.
لقد قمت بعدد من الزيارات الصحافية إلى هذا البلد في «المرحلة السوفياتة» بدءاً بعام 1979 وصاعداً، حيث كانت قد تحوّلت أفغانستان من نظام «قبائلي ملكي» إلى نظام جمهوري شيوعي على رأسه حفيظ الله أمين ثم بابراك كارمال الذي أطاح به نجيب الله.. وهكذا وإلى أن حقّق من وُصفوا بأنهم «مجاهدون» الانتصار في عام 1989 على القوات السوفياتية وأجبروها على الانسحاب وحيث سقط ذلك النظام الأفغاني ولجأ رموزه إلى الاتحاد السوفياتي وإلى بعض الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
وتجدر الإشارة هنا أن أناهيتا راتب زاده كانت من أهم رموز تلك المرحلة الشيوعية وكانت وزيرة للتربية والتعليم وأيضاً ومن أهم كبار قادة «الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني» وكان قد نصحني أحد التجار العرب الذين كانوا يتردّدون على العاصمة كابل بأن أراها وأن أتحدث معها كصحافي عن مستقبل بلدها وقد تمّ لقائي بها بأسرع مما توقعت، وكانت مفاجأتي أنها كانت صريحة أكثر من اللزوم وأنها «أبلغتني» بأن النظام الشيوعي في أفغانستان سيزول قريباً وأنّ الأنظمة القبلية ستعود لتحكم هذا البلد، والمعروف أن كل هذا الذي قالته هذه السيدة التي كان دورها رئيسياًّ في تلك الحقبة قد تحقّق لاحقاً، وإذْ إن انهيار الشيوعية في هذا البلد كان بداية لانهيار الشيوعية في روسيا وفي كل دول أوروبا الشرقية.
والمهم هنا هو أن أناهيتا راتب زاده هذه كانت قد نصحتني بزيارة مدينة «مزار شريف» التي يقع فيها «المسجد الأزرق» الذي يقع فيه مرقد الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والذي حسب ما هو متداول في أفغانستان أنه بعد استشهاده في بلاد الرافدين وضع جثمانه على ظهر ناقة «وضحاء»، أي بيضاء، وتركت لتسير كما تشاء وهكذا إلى أن وصلت إلى تلك المدينة الأفغانية الآنفة الذكر، وحيث ادّعى البعض أن صاحب هذا الضريح هو علي بن أبي طالب البلخي سفير الدولة السلجوقية، وهذا يصفه معظم الأفغانيين بأنه غير صحيح على الإطلاق وحسب بعض ما يقال من أن جنكيز خان قد قام بتدميره قد أعيد بناؤه في القرن الخامس عشر الميلادي من قبل السلطان حسين ميرزا.
وحقيقة فإن هذه هي أفغانستان التي بقيت تتقلب في أوضاع متعبة وغير مستقرة متلاحقة والتي بعد انسحاب الأميركيين الأخير منها قد عادت إليها حركة «طالبان» وبقرار ملزم من إيران ومن الولي الفقيه علي خامنئي تحديداً وهؤلاء، الذين يوصفون خطأ بأنهم «شيعة» «هزارا»، قد باشروا هجومهم على هذا البلد، الذي كانوا قد احتلوه وسيطروا عليه سابقاً، على الفور والقوات الحكومية لا تزال تحاول صدهم ولكن بدون أي إنجاز حقيقي وفعلي ما يعني أنه ما لم يكن هناك دعم فعلي ومن الولايات المتحدة تحديداً ومعها بعض الدول المناوئة لإيران فإن دولة الولي الفقيه هذه ستحقق وبالتأكيد «إنجازات فعلية» في هذه الدولة كـ«الإنجازات» التي كانت حققتها في العراق وفي سوريا وبالطبع في لبنان وأيضاً وفي بعض المناطق اليمنية التي يسيطر عليها «الحوثيّون»، وهنا فإن هناك بعض المعلومات التي تشير إلى أن هؤلاء الإيرانيين قد حققوا بعض الاختراقات في ليبيا.
ثم إن ما هو واضح لا بل مؤكد أنه إن لم يكن هناك إسناد حقيقي وفعلي من الولايات المتحدة ومن العديد من الدول المعنية للأفغانيين، فإن أفغانستان هذه ستصبح ملحقة بدولة الولي الفقيه وأنها ستأخذ معها بعض دول تلك المنطقة «الاستراتيجية» وعندها فإن الرئيس الأفغاني أشرف غني سيأخذ زوجته رولا سعادة اللبنانية المارونية التي هي في حقيقة الأمر قد أثبتت وجودها وأصبحت إحدى مائة امرأة متفوقة في العالم كله.
وهنا فإن المعروف أن الولايات المتحدة هي من أخرجت حركة «طالبان» من أفغانستان، التي كانت قد احتلتها بدعم من إيران ومن بعض الدول الأخرى المجاورة، وحقيقة أنه إن لم يكن هناك دعم حقيقي وفعلي من أميركا ومن إدارة الرئيس جو بايدن تحديداً وأيضاً من بعض الدول الإسلامية المعنية فإن هذا البلد «الاستراتيجي» والهام سيعود إلى ما كان عليه من صراعات داخلية ومن اقتتال دموي وهكذا فإن المستفيد الوحيد من هذا كله ستكون دولة الولي الفقيه، التي تسيطر الآن على العراق وسوريا وعلى لبنان… وأيضاً على المناطق التي يسيطر عليها «الحوثيون» في اليمن ومعها بعض الدول الآسيوية وهذا غير مؤكد بصورة ثابتة وقاطعة.