براك.. الذي خطف قلبي
بقلم: اسرار جوهر حيات
النشرة الدولية –
في اللحظة التي رُزقت بها بابني الأول محمد، شعرت أنه لا سعادة يمكن أن تفوق هذا الشعور، ولا مفهوم يمكن أن يصف الأمومة، ذلك المفهوم الذي يختزل الكثير من المحبة، العطف، التضحية، الحنان، الأمان، الاحتواء، وقائمة تطول وتطول بمشاعر انسانية لا يمكن أن تجتمع الا في كيان أم!
لكن يبدو اني كنت مخطئة، فرغم اني تقريباً، كنت انتظر كل لحظة تحول في حياة محمد وكنت استعد لها في مخيلتي بوقت مبكر جداً، كأول سن تظهر له، وأول خطوة، وأول كلمة وأول يوم له في الروضة، وأول يوم مدرسة، وحتى كنت اتخيل ليلة زفافه، وكنت أعيشها وكأنها اللحظة الأكثر سعادة التي لن يفوقها شي، حتى جاءني براك، ابن محمد، وحفيدي الأول، فادركت اني كنت مخطئة، فمشاعري كجدة تفوق سعادتها بمرات ومرات مشاعري كأم.
ففي الأولى، انا الأم السعيدة بولادة ابنها، الشابة التي توازن بين أمومتها ودراستها وحياتها، فربما تثقل كاهلها المسؤولية وان كانت تسعدها، وهنا، أنا الجدة التي تشعر انها تبدأ حياةً جديدة، مع ولادة طفل جديد، تريد أن ترعاه كما رعت أباه، تريد بكل حب أن تحتويه وتمنحه حنانها ووقتها وطاقتها التي جددها مجيئه.
عندما ولد براك قبل أيام، شعرت كم كانت الشعوب العربية مدركة لسعادة أن يرزق المرء بحفيد، عندما اشتركت جميعها تقريباً في المثل الشعبي القائل «ما أعز من الولد الا ولد الولد»، فبراك لم يكن مجرد فرحة جدة بحفيد، بل كان ترجمة فعلية لهذا المثل الشعبي، وكأنه جاء ليخطف قلبي، شعرت أن مشاعري نحوه تشبه تلك اللحظة المغمورة بالسعادة أثناء ولادة والده أو عمه عبدالله.
كلما نظرت اليه، تساءلت كيف يمكن لهذه المخلوقات الصغيرة، الجميلة، التي تنام بسلام وهدوء، وهي تمضي أيامها الأولى في هذه الحياة المليئة بالصخب والضجيج، كيف يمكنها أن تزرع بداخلنا مشاعر لا يمكن وصفها، وطاقة للحب والحياة، ورغبة من جديد بالتربية والاهتمام والأرق والقلق والرعاية؟!
وانا انظر اليه، أشعر انه جزء مني، يشبهني، أشعر انني أجني ثمار سنوات طويلة، ثمار استثمار فعلي، وأليس ابناؤنا، وابناؤهم ثروتنا الحقيقية؟!
في هذه اللحظات التي يرزق بها الانسان بولد، أو بحفيد، وهي لحظات تبدو نادرة في حياتنا لا تتكرر كثيراً، يشعر انه يمتلك الدنيا بما فيها، ويدرك تماماً أن السعادة الحقيقية هي هذا الرزق الذي يمنحنا اياه الله، وقتها ندرك كم نحن محظوظون!
ربما، كتب الكثير عن مشاعر الأم، بعطفها وحنانها واحتوائها لابنائها واحفادها، الا أن ما لا يمكن ادراكه، هو حاجتنا نحن الامهات لمنح هذه المشاعر، حاجتنا لأن نحتضن ونحتوي ونحنو ونرعى ابناءنا وابناءهم، كم نحتاج لأن نشعر أن وجودنا يصبح ذا معنى، عندما نحسن تربيتهم، وننقل لهم شيئا منا، ليكونوا الارث الفعلي الذي نتركه بصمة في هذه الحياة، فبراك جاء فعلاً لأن يختزل كل هذه الاحتياجات التي نتشاركها نحن السيدات، في وجوده الصغير الذي يضم الكثير من الفرح حوله، جاء ليصبح محور البيت بأكمله، نستعد جميعا لان نستقبله، وكأنه المستقبل الذي نريده أن يكون بأبهى صورة.
وفجأة، وكما حدث لي لحظة ولادة والده، تخيلت كل لحظة تحول ستمر في حياته، كيف سيخطو خطوته الاولى، ما هي اول كلمة سينطقها، في اي حضانة نسجله، ثم اي روضة ومدرسة؟! هل سيتحسن التعليم الحكومي الى ذلك الوقت، أم سنتدارك الأمر ونسجله في مدرسة خاصة؟ أين سيكمل تعليمه الجامعي؟! وكم سينتظر وظيفة الحكومة في وقتها؟! كلها لحظات مرت أمامي وأنا انظر لبراءة وجه براك.. وكم تمنيت أن تكون كويت المستقبل في طفولة ومراهقة وشباب براك، أجمل وأزهى من الكويت الجميلة التي عشتها وعاشها الجيل الذي سبقني…!