الفلاسفة يمتنعون
بقلم: سمير عطا الله
النشرة الدولية –
لم يعد اللبناني يصاب بكوابيس الليل لشدة ما تتزاحم عليه كوابيس النهار. مع ذلك، يخشى المرء أن يستسلم للنوم بعد نهار مضنٍ ويوم أسوأ من أمسه ومن غده، لكي لا تسرع الكوابيس الإضافية إلى الحضور كي تتأكد أنها أدّت دورها في تعميم الهموم والأحزان وصور المرشحين المقبلين لرئاسة الجمهورية، سواء أقبلت هي أيضاً أو تركت اللبنانيين يبحثون عن منقذ يرث ما يمكن إنقاذه، وما لا يمكن، ولم يمكن.
نادراً ما أتعرض إلى كابوس مع أن الأحلام لا تتوقف مثل إنجازات الدولة اللبنانية. الليلة الماضية تراءى لي أنني في باريس وأن سارقاً يهم بدخول المنزل. ومن أجل أن أمنعه من ذلك وأوفر علي المواجهة معه، رحت أصرخ بصوت عالٍ، لكي يعرف أن في البيت إنساً. ثم من أجل المزيد من التأكد أن صاحبنا أخذ علماً، أخذت أرفع صوتي إلى أقصى درجات الأوبرا. وتدخلت زوجتي – في الحلم – لتوقظني وتنهي نوبة الصراخ، لكنني شرحت لها، بالإشارات، أن لا بد من إنهاء المعركة مع الحرامي قبل أن تبدأ وتهرع الشرطة الفرنسية وعلى رأسها المفتش «كلوزو». ولذلك، رحت أوجه الصراخ في الاتجاهين، بحيث إذا لم يُسمع من هنا، سُمع من هناك.
غير أن خبرتي الاستراتيجية أوقعت الضحايا على جميع الجبهات وفي جميع الاتجاهات، فقد أفاق مذعوراً جار اليمين وجار اليسار في الفندق، وفي ظنهما أن الحرب العالمية الثالثة تبدأ من هنا. واتصل كل منهم بموظف الاستقبال يطلب النجدة ومعرفة ما حدث. وفي هذه الأثناء كانت معركتي مع حرامي الدائرة السادسة عشرة قد انتهت، وعدت إلى النوم ملء جفوني. وتركت الجيران المساكين مع مشكلة أخرى: الشخير!
في اليوم التالي جلست في ردهة الفندق أتقبل التهاني والاستفسارات والتطمينات: أقلقتنا يا رجل، ويا رجل أفزعتنا، ويا عمنا المحبِّر ماذا حدث حتى كان كل هذا الهول؟
… و«بدأتُ أروي»، كما فعل غابرييل غارسيا ماركيز في سيرته الشهيرة بهذا العنوان، وأروي وأعدّل في الحكاية كلما تغير السامعون. وقال أحد الذين داوموا على سماع القصة إنه لم يعد يتعرف عليها، فقد تبدلت السيدة «الكونسييرج» غير مرة، وفي إحدى الروايات تصطدم بالحرامي في حين أن الحبكة تقوم على «عدم ظهوره» في أي مشهد حتى انتهاء الكابوس.
لا يعترف العلم بكوابيس النهار. فالكابوس هو ما وقع منه في الليل، وخصوصاً في الهزيع الأخير منه، وهو عادة صراع ودفاع عن النفس. والخصم شرير وساخر ولئيم مثل حرامي الدائرة السادسة عشرة. وإطاره بشع، فلا يأتي في إطار جميل إلا الحلم. وأحياناً الحقيقة أجمل من ألف حلم. ولله في خلقه روائع أيضاً. و«صباح الخير، مساء الخير يا أمير الفردوس الذي خلق الأنهار». ولا يؤتمن الفلاسفة على الفراديس خوف تحويلها إلى أسئلة. وتترك للشعراء والرسامين وطيور أسمهان.