آخر إبداعات التبعية والارتهان للخارج… الاقتصاد اللبناني على حافة الهاوية
بقلم: د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
هل سيتحرر لبنان من القيود ويقلب الطاولة على سلطات الانتداب ويقول لهم ” لبنان أولا ” ويحافظ على الوحدة الداخلية؛ أو يقبل بشروط سلطات الانتداب ويكون أداة طيعة في يدها للقضاء على العيش المشترك وإدخال لبنان في المصير المجهول؟ وهل المباحثات الفرنسية الأمريكية مع السعودية مسعى لحل الأزمة أم خرق للسيادة؟
للأسف بات الاقتصاد اللبناني الذي صارع الموت على حافة الهاوية، وتسلل الانهيار والشلل الاقتصادي للمؤسسات العامة وكشف حقيقة الفساد فيها، وأصاب الشلل مختلف الوزارات والمستشفيات والمؤسسات الرسمية في لبنان؛ بسبب انقطاع الكهرباء وشح كبير بالمستلزمات الأولية. ولعل أكثر خطورة امتداده الى المؤسسات والإدارات العامة التابعة للدولة؛ لارتباطها مباشرة بمصالح اللبنانيين. ولم تبادر السلطات منذ عقود رغم تفشي الفساد في أجهزة الدولة المختلفة ورغم كل المطالب والمشاريع المقترحة الى تحديث أنظمة مؤسساتها بما يتواءم مع تطورات العصر؛ لضمان استمراريتها بالأزمات كتلك الواقعة نحو عامين.
“عينات الشلل الكبير” بدأت تتوالى الأخبار عن شلل يطال مختلف الوزارات والمستشفيات والمؤسسات الرسمية بسبب انقطاع الكهرباء والتقنين الذي تفرضه المولدات الخاصة، وبسبب شح كبير بالمستلزمات الأولية ومواد القرطاسية كالأوراق والحبر والطوابع، تُضاف إليها الإضرابات المتواصلة التي ينفذها الموظفون اعتراضا على خسارة أكثر من 95% من قدرتهم الشرائية، بعد أن لامس سعر صرف الدولار بالسوق السوداء 18 ألف ليرة. اضطرت أحد مراكز الأمن العام في بيروت إلى التوقف عن إصدار معاملاتها بسبب انقطاع الكهرباء، كما حدث الأمر سابقا في وزارة الخارجية بسبب انقطاع مادة المازوت اللازمة لتشغيل المولدات، وانسحب الأمر أيضا إلى مطار رفيق الحريري الدولي الذي توقفت فيه صناديق الجمارك عن العمل ساعات بسبب فقدان الأوراق وعبوات الحبر، كما تجري أمور مشابهة بمراكز وزارة المالية، مما أدى أحيانا لعرقلة معاملات استيفاء الرسوم. وتجلت حساسية الوضع بالمستشفيات الحكومية عن إيقاف أجهزة التكييف، ما عدا الأقسام الطبية، وتم تعليل الأمر بانقطاع الكهرباء لأكثر من 21 ساعة يوميا، مقابل عدم توفر الفيول ومشاكل بالسيولة، قائلين “المرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات، ولا داعي لاستعمال المخيلة ولا للتهويل، نحن في جهنم حقا”. ولم تسلم المحاكم المدنية ومختلف صور العدل من منظومة الفساد أيضا باستشراء الفوضى خلال دوامات العمل، مما يؤثر على إنجاز المعاملات الطارئة ومحاكمة الموقوفين، نتيجة شح كبير بالأوراق ونماذج مذكرات التوقيف، وأن الكُتاب يتسابقون للحصول عليها، وبعضهم يلجأ لشرائها على نفقته من خارج قصور العدل، لإنجاز مهماتهم المتراكمة. إن شلل المؤسسات العامة مؤخرا ليس نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي فحسب، بل يعود لسوء إدارة الدولة لها، بعد أن “أُضعفت المؤسسات وجرى الفتك بها، لأسباب طائفية وحزبية، برزت منذ نشوء لبنان الكبير (1920) وبلغت مبلغا كبيرا آخر 10 سنوات”. إن مؤسسات الدولة توجت موتها المعلن قبل توالي الانهيار منذ منتصف 2019، معتبرة أن فقدان المستلزمات الأساسية يعد فضيحة كبيرة ستعيق تلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
حل الأزمة أم خرق للسيادة؟ أقول إن التدخل الفرنسي الأمريكي السعودي هو خرق واضح للسيادة اللبنانية، وهي سابقة في تاريخ العلاقات بين الدول، إضافة الى أنه اعتراف دولي بأن لبنان دول فاشلة. قرار أمريكي وأوروبي تحديدا يقضي بالتعاطي مع الواقع اللبناني من منطلق جديد، خلاصة هذا المنطلق أن الطبقة السياسية اللبنانية قاصرة عن تأدية المطلوب منها تجاه البلد من جهة وأن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يستطيع من جهة أخرى التعاطي مع الخارج. أي مع الدول العربية التي اهتمت في الماضي بمساعدة لبنان، على رأسها المملكة العربية السعودية”.
آخر إبداعات التبعية والارتهان للخارج -وسلسلة ذلك طويلة ونقول آخر وليس الأخير -آخر هذه الإبداعات تشكل ‘مجلس وصاية علني’ من السفيرتين الأمريكية والفرنسية في بيروت في صيغة صريحة يطمحان أن يكون فيها طرف ثالث هو السعودي، مجلس وصاية يطمح أطرافه إلى وضع لبنان تحت انتداب واقعي يعوض لهذه الأطراف خسائرها لا بل هزيمتها في الإقليم”. وجود “خرق فاضح لسيادة لبنان والتدخل العلني في شؤونه الداخلية؛ ولمعاهدة فيينا التي تنظم علاقة عمل السفراء في أي بلد. فسفر سفيرتي أمريكا وفرنسا في لبنان يعتبر سابقة لا مثيل لها في تاريخ العمل الدبلوماسي. إذ لا يحملان أي صفة رسمية في السعودية لمعالجة شؤون لبنان الداخلية وليتفقوا على فرض حكومة على الشعب اللبناني خارج الأعراف والتقاليد المعمول بها منذ إعلان استقلال لبنان”. إن “هذا التدخل الأمريكي الفرنسي السافر في الشؤون اللبنانية مرفوض رفضا كليا وعلى أمريكا وفرنسا أن تفهما بأن عهد الوصاية والاستعمار قد ولى إلى غير رجعة”.