عندما تحوّل إلى مجنون لـ (12 ساعة)
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

ما زال هناك من يردد أن فيروس كورونا “كوفيد19” ما هو إلا “مؤامرة دولية”، وما زال البعض يعزو ذلك إلى أن اللقاحات التي أُنتجت وبسرعة قياسية هدفت إلى جني المليارات لشركات تحتكر هذه الصناعة وليس لإنقاذ حياة الإنسان.

هؤلاء الناس لا يملكون أدلة علمية وليس بمقدورهم ذلك بل غاية ما في الأمر أنهم يربطون الأحداث ببعضها، لكي تسري في العقول وفي وسائل التواصل الاجتماعي كما تسري النار في الهشيم، فالتشكيك في اللقاحات وبسرعة إنتاجها وتداولها عائد إلى قصر الفترة الزمنية التي لم تتجاوز 6 أشهر، بالرغم من الدراسات العلمية التي أجريت على هذا الفيروس والطريقة التي تم فيها عمل اللقاحات بتكنولوجيا متطورة لم تكن موجودة من قبل ولم يجر اختبارها أصلاً قبل استفحال “كوفيد19”.

أمامي نص ترجمته د. مشاعل عبدالعزيز الهاجري اختارته بعناية، يعرض تجربة محرر مجلة “Maclean’s” العلمية دقيقة بدقيقة عندما تناول عقاراً تجريبياً حوّله إلى شخص “منفصم” يصاب بالهذيان، وكان ذلك صباح يوم الخميس 18 يونيو 1953، والمقال منشور في “مجلة” الثقافة العالمية” الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون.

كان من الصعب على هذا المحرر (سيدني كانز) والكاتب والصحافي أن يصف ما حدث له بالكامل خلال رحلته إلى عالم الجنون كان واقعاً في قبضة الهلوسات ويشعر بجسده يتشنج ويتقلص حتى أنه لم يتبق منه إلا حجر صلب مريض. لقد فقد عنده الزمن كل معنى وتقلصت الساعات إلى دقائق وامتدت الثواني إلى ساعات، ببساطة لقد تطوع هذا الإنسان لكي يصبح مجنوناً مؤقتاً من أجل خدمة البحث الطبي القاصد إلى تقصي إشكالية المرض العقلي، إنها واحدة من مراحل البحث العلمي تلك التي يكون فيها الإنسان “خنزير غيانا” لأن الحيوانات لا تستطيع أن تصف مشاعرها. (يقصد أنه أصبح حيواناً للتجارب).

خلاصة التجربة تصل به إلى القول “لا يمكن للعلم إلا أن يأمل في التعرف على المشكلة والتصدي لها، عندما يتوافر التمويل للبحث العلمي بالملايين لا بالآلاف”، ثم يختم المقال “ينبغي أن نصر على أن يكرّس الأفضل من أطبائنا وفنيينا ومختبراتنا لإنقاذ مرضى الفصام من هذا الجحيم الأبدي”.

كانت تلك أول معالجة شعبية لعقار “LSD” في حقبة الستينيات، عندما كان الناس يعتقدون أن هذا العقار يتسبب في “شيزوفرينيا” اصطناعية، أي الانفصام بالشخصية لذلك نصح أطباء نفسيين أن يقوم أطباء آخرون بتعاطي هذا العقار كوسيلة لتجربة الشيزوفرينيا من الداخل.

أردنا من نقل هذه التجربة أن نتفهم أن اللقاحات التي صنعت لعلاج فيروس كورونا، خرجت وسمح باستخدامها بعد أن مرت بتجارب سريرية وأجريت حولها دراسات ميدانية اشترك بها علماء وصيادلة وفنيون ومختبرات وكلفت الملايين إن لم يكن المليارات، واستطاعت أن تحمي البشرية من جائحة كان من الممكن أن تحصد الـ50 مليون إنسان كما حصدت الإنفلونزا الإسبانية 50 مليوناً عام 1918.

نعم استفادت البشرية جمعاء من العلوم والتكنولوجيا والتطورات التي أحدثتها، واليوم يتحدثون عن 4 ملايين حصيلة وفيات كورونا في العالم خلال السنتين تقريباً، في حين أن تغير الظروف المناخية (الحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة) أودت بحياة 5 ملايين شخص، أي 9.4% من إجمالي الوفيات عالمياً.

بالتأكيد هناك احتكار للقاحات وبالتأكيد هناك تمييز بتوزيعها وعدم عدالة ولا مساواة بين من ينتج ومن يستهلك ومن يحتاجها من الفقراء، لكن الأصح أن التطور المذهل في عالم المختبرات وتصنيع الأجسام المضادة أعطى للبشرية “حصانة” و”مناعة” وخفف عنها خسارة الملايين من الأرواح البريئة، مقارنة بتاريخ الأوبئة التي زحفت على مر التاريخ.

 

وأنا أتصفح مقال “ساعاتي الـ12 كمجنون” والذي جرت وقائعه في أكتوبر 1953 استحضرت حالتي عندما تلقيت الجرعتين من لقاح “فايزر” لتمضي حياتنا بسلام، متمنين أن تمنح الفرصة للآخرين كي نرى العالم أكثر انفتاحاً وتحرراً من القيود التي فرضتها عليه جائحة القرن الحادي والعشرين.

من وحي الأزمة على مياه النيل بسبب سد النهضة:

“على من يريد أن يركب بحر النيل أن تكون لديه أشرعة منسوجة من الصبر”. (الروائي البريطاني وليام غولدنغ)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button