التململ الشيعي من “حزب الله” في لبنان… ينمو
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
يوم السبت الماضي نشر موقع “المدن” الإلكتروني مقالة وقّعها قاسم مرواني تعرض لواقع حال البيئة الشعبية التي يعمل فيها “حزب الله” ويطلق عليها خطباؤه اسم “جمهور المقاومة”.
المقالة وثّقت قصصاً كانت تصل إلى الكثيرين عن تململ غير مسبوق من “حزب الله” في البيئة الشيعية التي إذا ما تمّ وضع البروباغاندا جانباً، يتضح أنّها تعاني أضعاف ما تعاني منه البيئات اللبنانية الأخرى، في ظل هذه الكارثة التي نسبها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، أمس الى ما سمّاه “التدمير الذاتي”.
وتقاطعت هذه المقالة، مع جزء من تحقيق نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، قبل أيّام، لجهة تأكيد فقدان “بطاقة سجاد” التي أطلقها “حزب الله” حتى يستفيد مناصروه من السلع الضرورية، بأسعار رخيصة، في متاجر خاصة به، قيمتها مع تراجع دعم مصرف لبنان لكثير من المستوردات، من جهة وارتفاع وتيرة “التهريب الممانع” الى سوريا الغريقة، من جهة أخرى.
وقد بادرتُ الى إرسال هذين المقالين الى عدد من الاصدقاء الذين يعيشون في بيئة “حزب الله” أو هم على تفاعل دائم معها، لاستطلاع رأيهم، ومعرفة ما إذا كان الوارد فيها مجرد “بروباغندا”، وفق ما يصر على قوله “دعائيو” الحزب الذين لا يترددون بإقحام “المؤامرة الكونية”، في عملية تهدف الى تسخيف كل حرف لا يناسب الصورة التي يروّجونها عن حزبهم.
الردود التي تلقيتها بيّنت أنّ المقال اللبناني، على “فظاعة” المعلومات الواردة فيه، ليست، في الواقع، سوى صيغة “ملطّفة” للواقع الحقيقي في بيئة “حزب الله”.
وقد توقفتُ باهتمام عند مشاهدات عينية، زوّدني بها صديق ينتمي الى بلدة جنوبية كبرى.
صديقي هذا ليس منتظماً لا في “حزب الله” ولا في “حركة أمل”، وهو يملك حسّاً نقدياً عالياً، مثل شهاداته الجامعية، ولكنّه لا يقدّم نفسه معادياً لـ”جمهور المقاومة” ولا ثائراً.
وهذا التوصيف لصديقي، قبل عرض ما زوّدني به، ضروري، لأنّه، لو كان منتمياً، مثلاً، الى “حركة أمل” فهو قد تكون له مصلحة في النيل من سمعة “حزب الله”، على اعتبار أنّ التقارير الميدانية تفيد بوجود حالة تململ في قواعد “أمل” التي يتقاضى المنتظمون فيها رواتبهم بالليرة اللبنانية المنهارة، من سياسات “حزب الله” الذي يتقاضى المنتظمون فيه رواتبهم بالدولار الأميركي “المعادي”.
ولا تهدف هذه الإشارة الى إلقاء الضوء على واقع ميداني “مهزوز” بين “الثنائي الشيعي” الذي تعمل قيادتاه الميدانيتان، بلا هوادة، على احتوائه، بل هي تمهيد لا بد منه لوضع مشاهدات صديقي في إطارها الموضوعي.
لن أكشف عن هوية صديقي هذا، ولا عن اسم بلدته، حرصاً على سلامته، من “سحسوح” يدفعه الى النفي، أو من سيناريو “حقه رصاصة” الذي جرى اعتماده مع المناضل والمفكّر لقمان سليم.
قال لي بالحرف: “قبل أيّام ذهبت الى حي (ج) في بلدة (خ) لشراء المناقيش لأولادي. قصدت فرناً معروفاً أنّ صاحبه من أشد المؤيّدين ل”حزب الله”، وهو يعرض صورة ضخمة للسيد حسن نصرالله على واجهته الزجاجية. كان الفرن مزدحماً، والجميع ينتظر دوره للحصول على طلبيته، ويلقون نظرة على التلفزيون الصامت الذي كان موضوعاً على قناة غير “المنار”. وعندما مرّت مشاهد يظهر فيها السيّد حسن، راح أحد الحاضرين، وبصوت عال جداً، يسخر من الحزب ومن أمينه العام، وممّا قاله: أين هو هذا الذي يضع الملفات تحت أبطه، ويريد تطيير رؤوس الفاسدين واسترداد مليارات الدولارات؟ أين هو هذا الذي يريد أن يستورد البنزين من ايران؟ في الانتخابات المقبلة، سوف أصوّت للشيطان ولا اصوّت لهم”.
وتابع صديقي قائلاً: “أنا اصبت بصدمة. لم نعتد في بلدتنا أن نسمع، على الملأ، هذا النوع من الكلام، وهذا الإنتقاد المباشر للسيّد”.
وقال: “فعلياً، العالم استوت. الشيعة، خلص استووا. المشكلة الوحيدة المطروحة برأيي هي إذا كان سيكون للشيعة وغير الشيعة بدائل واضحة وخيارات فعلية، علماً إن بعض الناس حطّلها اليوم عصاية بينتخبوها ضد هؤلاء”.
إنّ هذه الحقائق الميدانية هي أمور بديهية. لو أنّ “بيئة حرب الله” كانت سعيدة بالفقر والحرمان والجوع والذل والهجرة، لكانت، بالفعل، بيئة غير طبيعية.
وهذه النوعية من التفاعل الشعبي مع الازمة لا تقتصر على اللبنانيين المنتمين الى الطائفة الشيعية ضد “أحزابهم القوية”، بل هي تمتد، من دون حاجة الى تقديم شهادات إثبات، على الجميع من دون استثناء، فالصدمة أنّ من أخذوا تمثيل الشعب، بالقوة هنا وبالمراوغة هناك وبالاقناع هنالك، قادوا البلاد الى كارثة لم يقوَ على مثلها أعتى الأعداء في أعنف حروبهم ضد لبنان، وانتهجوا مساراً وعدوا أنّه “جلّاب للبحبوحة”، فإذا به مجرد استدعاء للموت والذل.
ولكنّ المهم في هذا التطور الشعبي الشيعي، ليس في أنّه يفتح نافذة، في البيت الذي أحكم “حزب الله” إقفاله، بل في ما يمكن ان يشكّله من ضغط على هذا الحزب، حتى يأخذ اللبنانيين في حساباته التي يرهنها كلّها للهدف الذي يرسمه “الحرس الثوري الايراني”.
ولا يستطيع أحد أن يشكّل ضغطاً حقيقياً على “حزب الله”، سوى البيئة التي يعيش فيها ويستقوي بها، فإذا صمتت عمّا يصيبها تعمّقت عذاباتها وعذابات سائر اللبنانيين، ولكن إذا رفعت الصوت عالياً، ربما تنجح، في دفع “حزب الله” الى مراجعة انخراطه الاقليمي المطلق الذي يسخّر له كافة الطاقات اللبنانية، وأوّلها طاقات الطائفة الشيعية التي جعلها “تلحس المبرد”.
وممّا لا ريب فيه أنّ “حزب الله” بصفته ملحقاً بالجمهورية الاسلامية في ايران، هو بيت القصيد في النظرة الاقليمية والدولية الى لبنان ومأساته، لأنّ الجميع، باستثناء ايران والنظام السوري بطبيعة الحال، ينظرون اليه نظرة اتهامية، فهو كبّد لبنان ولا يزال أثماناً باهظة للغاية، بفعل الأدوار التي يلعبها في صراعات المحاور وحروبها، بعدما أخضع الارادة السياسية اللبنانية لمشيئته.
ولا يريد أحد أن يسقط لبنان نهائياً في الجحيم، ولكن لا توجد دولة واحدة على استعداد أن تدفع الاثمان الباهظة لتعويم لبنان، بشروط “حزب الله” الحربية.
ولهذا، فإنّ قبول “حزب الله” بتعديل دوره الضار في صراع المحاور الإقليمية، من شأنه أن يرتد إيجاباً على البلاد والعباد، ولكنّ الحزب، حتى تاريخه، يزيد تصلّبه تصلّباً، وتورطه تورّطاً.
ويدرك الجميع أنّ “حزب الله” يساوي الشعب اللبناني بالشعوب السورية والعراقية واليمنية والايرانية، بحيث إنّ إرهاق الناس وحتى موتهم، يرخص كثيراً أمام الهدف الكبير الذي يحمله في عقيدته، وهو “تسييد” إيران، بنهجها الديني الحالي، على الجميع.
وهذ يعني، بالمطلق، أنّ “حزب الله” لن يتغيّر لأنّ بيئته تتعذّب، فهو يملك وسائل مماثلة لتلك التي استعملها “ميليشيات إيران” في العراق و”الحرس الثوري” في إيران لقمع الإعتراض.
ولكن، على أهمية هذه المقارنة، فإنّ التكوين اللبناني، مهما سعى البعض الى إدخال تعديلات عليه لملاءمته مع مصالحه، يحفظ مكاناً مهمّاً للمكوّنات الشعبية ضمن الطوائف، فإذا استاءت هزّت وإذا غضبت زلزلت.
والعصبية الطائفية تطغى على ما عداها، طالما أنّ مستغليها بدوا قادرين على رفدها بشيء من “راحة البال” المعيشية، ولكنّها متى اتضح أنّها منتجة للحرمان والجوع والفقر والعوز والذل والموت، فإنّها تفقد فاعليتها، لا بل يمكن أن تتحوّل وبالاً على من كان يتوسّلها ويحتمي بها.